التعصب
التعصب
التعصب أو الحمية من الرذائل الأخلاقية وبمعنى التعصب المفرط أو العداء تجاه شخص أو جماعة أو شيء ما، وتم تقسيمه إلى قسمين: ممدوح ومذموم، وقد تم تطبيقه بشكل واسع على المعنى المذموم والمتطرف، مع وجود معاني ممدوحة له كالغيرة.
يتجذر التعصب بسبب وجود بعض العوامل في الوجود الإنساني، كالتكبر والغطرسة، والترف، والجهل، والاتباع الأعمى، وعدم رعاية الإنصاف. وتوجد جملة من الآثار والعواقب تترتب على التعصب، تم ذكرها في النصوص الدينية، منها: الكفر، والإثم، وقسوة القلب، والحسد، والانحراف عن العدل والإنصاف، والدخول في النار.
المفهوم
يُعتبر التعصب من الرذائل الأخلاقية، وهو بمعنى التعصب المفرط أو العداء تجاه شخص أو جماعة أو شيء ما. [١] والتعصب مرادف لعدة من الكلمات، مثل: الحمية، والتحزب، والتحيز، والتزمت، والتشدد.[٢] وعلى الرغم من أن التعصب يتضمن الارتباط والانتماء، ولكنه يُستعمل عادة بمعناه المذموم والمتطرف، ويُشير إلى الدفاع غير العقلائي عن شخص أو عقيدة أو شيء ما.[٣]
يُعتبر التعصب من الأخلاق الفاسدة، وهو مصدر العديد من المفاسد الأخلاقية الأخرى، وهو بذاته مذموم، حتى وإن كان من أجل الدفاع عن الحق، أو من أجل أمر ديني، من غير أن يكون الهدف إظهار الحق، بل من أجل تفوق الشخص أو تفوق أقاربه.[٤]
وقد ورد التعصب في القرآن مرة واحدة على شكل كلمة «الحمية» وهي تُشير إلى التعصب الجاهلي للمشركين في قبال المسلمين،[٥] وعدة مرات على شكل كلمة «عصبة»،[٦] معناها ونحن جماعة يتعصب بعضنا لبعض.[٧] وجاء التعصب في آيات أخرى من القرآن بشكل غير صريح، مثل التعصب لمعتقدات الآباء والأجداد في قبال الأنبياء، وبالإضافة إلى العديد من قصص وأقوال الكفار والماضين.[٨]
كما تم استخدام كلمة التعصب في العديد من الروايات، حيث تم الإشارة له في الجوامع الحديثية تحت عنوان «باب العصبية»، وفي ضمن الأحاديث تم ذكر تاريخ وجذور التعصب.[٩] وجاء في حديث جنود العقل والجهل إنَّ التعصب من جنود الجهل وضد الإنصاف.[١٠]
الأقسام
تم تقسيم التعصب والحمية إلى قسمين: ممدوحة ومذمومة، وعلى الرغم من إنَّ هذه الكلمة تنطبق على المعنى المذموم والمتطرف؛ إلا إنَّ القسم الممدوح يوجد أسماء أخرى له.[١١]
- التعصب الممدوح: هو عندما يتعصب الفرد إلى الحق والإنصاف من أجل حماية شيء ما، ويُطلق عليه أيضاً الغيرة.[١٢] وقد ذكر الإمام علي في الخطبة القاصعة هذا النوع من التعصب وأنَّ له صفات حميدة كالحفاظ على حق الجيران، والوفاء بالعهد، والكف عن البغي، والإنصاف للخلق، وعدم التكبر، وكظم الغيظ، والامتناع عن الظلم.[١٣] وذكر العلامة الطباطبائي إن التعصب من أجل الدفاع عن العائلة، والكرامة…وغيرها متجذر في الفطرة الإنسانية، وبما إنَّ الإسلام دين الفطرة، فقد حفظ هذا الأمر، ولكن قام بتهذيب تفاصيله من الشوائب والأهواء ليكون منسجم مع تلك الفطرة.[١٤]
- التعصب المذموم: وهو حماية الأسرة والقبيلة، والعرق، والاعتقادات عن طريق الباطل، فيخرج عن حالة الإنصاف والاعتدال إلى ارتكاب الحرمة الشرعية.[١٥] وورد عن الإمام السجاد إن هذا القسم من التعصب يتحقق عندما يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين؛ وبسبب هذا التعصب يفضلهم على الأخيار.[١٦]
الجذور
يتجذر التعصب والحمية بسبب وجود بعض العوامل في الوجود الإنساني، وقد أشارت إلى ذلك الآيات والروايات، فمن هذه العوامل: التكبر والغطرسة، والترف، والجهل، الاتباع الأعمى، وعدم الإنصاف في التعامل مع الأصدقاء والأعداء.
- التكبر والغطرسة: ورد في الآية 35 و36 من سورة الصافات، إنَّ المشركين كانوا يستكبرون أمام دعوة رسول الله لهم للتوحيد، ويصرون على ما جاء به الماضون.[١٧] وقد ذكر الإمام علي ايضاً إنَّ سبب عدم سجود الشيطان لآدم وطرده من الرحمة الإلهية هو لتعصبه؛ وذلك عندما رأى نفسه أعلى من آدم.[١٨]
- الترف: يكون الترف والثروة والمال في بعض الأحيان أحد أسباب نشوء التعصب والحمية في وجود الإنسان. [١٩] وقد تم تقديم الترف والثراء في الروايات على إنه أحد أسباب التعصب والعناد من قبل الأمم السابقة ضد الأنبياء.[٢٠]
- الجهل: من خلال الاستدلال بالآية 113 من سورة البقرة، اعتبر المفسرون الجهل أحد جذور التعصب؛ لأن الجاهل مطوّق بمحيطه المحدود، لا يقبل غيره، بل هو ملتصق بما ملأ ذهنه منذ صغره و إن كان خرافيا، ويرفض ما سواه.[٢١] وقد تم إضافة الحمية إلى الجاهلية في الآية 26 من سورة الفتح، مما يدل على وجود علاقة بين التعصب والجهل.[٢٢]
- الاتباع الأعمى: يقبل الناس أحياناً كلمات بعض الأشخاص؛ بسبب تقديسهم كالآباء، والمتصدين في الأمور الدينية، والأساتذة، وعظماء القوم، بدون فكر وتروي. وقد تم ذكر هذا الأمر في الآيات المتعددة بعنوان أحد أسباب التعصب. [٢٣] وكذلك يحذر الإمام علي في الخطبة القاصعة من اتباع كبراء القوم بشكل أعمى ومن دون دليل.[٢٤]
- الأفراط والتفريط في الصداقة والعداوة: لقد أوصت جملة من الآيات المؤمنين بالعدل والإنصاف مع الاقارب والأصدقاء، وإنَّ الأفراط أو التفريط في الصداقة أو العداوة يؤدي إلى التعصب والنفاق.[٢٥]
الآثار والعواقب
توجد جملة من الآثار والعواقب تترتب على التعصب، تم ذكرها في النصوص الدينية، من جملتها: الطغيان والكفر،[٢٦] والإثم،[٢٧] والتفرقة،[٢٨] وقسوة القلب،[٢٩] والحسد،[٣٠] والانحراف عن العدل والإنصاف في السلوك،[٣١] وعدم قبول الحق وعدم الإيمان،[٣٢] العودة إلى عصر الجاهلية،[٣٣] والعنف ضد المعارضين،[٣٤] التفرد،[٣٥] والكراهية،[٣٦] والدخول إلى النار،[٣٧] والحروب المذهبية،[٣٨] وخيانة العلم،[٣٩] وإنكار المسلمات التاريخية.[٤٠]
الهوامش
- ↑ أنوري، فرهنگ بزرگ سخن، ذیل واژه تعصب.
- ↑ معین، فرهنگ فارسی، ذیل واژه تعصب؛ دهخدا، لغتنامه، ذیل واژه تعصب.
- ↑ ابن منظور، لسان العرب، ج 1، ص 606.
- ↑ الخميني، الأربعون حديثاً، ص 171.
- ↑ سورة الفتح: الآية 26.
- ↑ سورة يوسف: الآية 8 و14؛ سورة النور: الآية 11.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان، ج 5، ص 324.
- ↑ سورة البقرة: الآية 170؛ سورة المائدة: الآية 104؛ سورة الأعراف: الآية 28 و70؛ سورة يونس: الآية 78؛ سورة الشعراء: الآية 74؛ سورة لقمان: الآية 21.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 2، ص 307؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج 70، ص 281.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 1، ص 21.
- ↑ النراقي، جامع السعادات، ج 1، ص 402؛ الخميني، الأربعون حديثاً، ص 171.
- ↑ النراقي، جامع السعادات، ج 1، ص 402؛ الطباطبائي، الميزان، ج 4، ص 420.
- ↑ نهج البلاغة، تصحيح صبحي صالح، الخطبة 192، ص 295.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، ج 4، ص 420.
- ↑ النراقي، جامع السعادات، ج 1، ص 402؛ ابن منظور، لسان العرب، ج 1، ص 606.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 2، ص 308.
- ↑ سورة الصافات: الآية 35 و36.
- ↑ نهج البلاغة، تصحيح صبحي صالح، الخطبة 192، ص 295.
- ↑ سورة الزخرف: الآية 23.
- ↑ نهج البلاغة، تصحيح صبحي صالح، الخطبة 192، ص 295.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان، ج 1، ص 359؛ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 1، ص 407.
- ↑ سورة الفتح: الآية 26.
- ↑ سورة البقرة: الآية 170؛ سورة المائدة: الآية 104؛ سورة الأنبياء: الآية 53؛ الخميني، الأربعون حديثاً، ص 171.
- ↑ نهج البلاغة، تصحيح صبحي صالح، الخطبة 192، ص 289.
- ↑ سورة النساء: الآية 135؛ سورة المائدة: الآية 8.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان، ج 6، ص 753.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان، ج 2، ص 535.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، ج 1، ص 314.
- ↑ سورة البقرة: الآية 7؛ الطبرسي، مجمع البيان، ج 8، ص 772.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، ج 11، ص 89.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان، ج 3، ص 190.
- ↑ سورة إبراهيم: الآية 10؛ الكليني، الكافي، ج 2، ص 307.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 2، ص 308.
- ↑ سورة العنكبوت: الآية 68؛ سورة الصافات: الآية 97.
- ↑ سورة البقرة: الآية 111.
- ↑ نهج البلاغة، تصحيح صبحي صالح، الخطبة 192، ص 289.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 2، ص 308.
- ↑ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 2، ص 641.
- ↑ النراقي، جامع السعادات، ج 1، ص 402؛ الخميني، الأربعون حديثاً، ص 178.
- ↑ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 1، ص 476.