البخل

البخل

البخل، هو المنع والإمساك في بذل المال، وله مراتب، حيث لا یقتصر البخل في الروایات الإسلامیة علی الامکانیات الاقتصادیة، بل یشمل أيضاً إمساك العلم المفيد للناس وكتمانه، وكذلك الامتناع عن السلام على الآخرين والصلاة على النبيصلی الله عليه وآله وسلم وله مناشئ، منها: الجهل، والأمراض النفسية، ووسوسة الشيطان، وسوء الظن بالوعد الإلهي.

وللبخل آثار منها: البعد عن الله ودخول النار، ومحق الدين، وذهاب الإيمان.

تعريفه

  • لغـةً: البخل: أصله مشقّة الإعطاء،[١] وهو ضدّ الكرم،[٢] ويعرّف أيضا بأنّه إمساك المقتنيات عمّا لا يحقّ حبسها عنه،[٣] ويعدّى بـ (عن) و(على)؛ لتضمّنه معنى الإمساك، يقال: بخل على أصدقائه، أي ضنّ وأمسك،[٤] وأبخلته، أي وجدته بخيلاً.[٥]
  • اصطلاحـاً: وهو بنفس المعنى اللغوي، إلاّ أنّه يمكن تحديده بمنع المحتاج عن حقّه الواجب،[٦] فيختص، في المصطلح، بعدم إعطاء البخيل الواجب المالي، سواء كان زكاة أو خُمساً أو غيرهما.
وتوسّع بعضهم في المصطلح بأنّ الواجب قسمان: واجب بالشرع، وواجب بالمروّة والعادة وهو ترك المضايقة، فإنّ ذلك مستقبح، واستقباح ذلك يختلف في الأحوال والأشخاص، ولعلّ حدّ هذا البخل هو إمساك المال عن غرض، وذلك الغرض هو أهمّ من حفظ المال، فصيانة المروّة أهمّ من حفظ المال.[٧]

ألفاظ ذات الصلة

  • الشُح: وهو الحالة النفسانية التي تقتضي ذلك المنع، لكن البخل نفس المنع،[٨] وقد ذكروا أنّ الشح هو الحرص على منع الخير، فهو أشد من البخل، حيث إنّه مركّب من البخل والحرص.[٩]

وورد في ذمّه عن النبي (ص) أنّه قال: «إيّاكم والشحّ؛ فإنّما هلك من كان قبلكم بالشحّ، أمرهم بالكذب فكذبوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا»،[١٠] فرفع الشحّ عن النفس من أفضل الطاعات.[١١]

  • الضنّ: وهو مرادف للبخل،[١٢] إلاّ أنّه يكون بالعواري والبخل بالهيئات؛ ولهذا تقول: هو ضنين بعلمه ولا يقال: بخيل بعلمه؛ لأنّ العلم أشبه بالعارية منه بالهبة، وذلك أنّ الواهب إذا وهب شيئاً خرج من ملكه، فإذا أعار شيئاً لم يخرج أن يكون عالماً به فأشبه العلم العارية، فاستعمل فيه من اللفظ ما وضع لها؛ ولهذا قال الله‏ تعالى: ﴿وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ،[١٣] ولم يقل: بخيل.[١٤]
  • اللئم: وهو دناءة الأصل، ومنه اللئيم وهو الدنيء الأصل الشحيح النفس،[١٥] وهو أقبح حالاً من البخيل حيث جمع الشحّ ومهانة النفس ودناءة الآباء معاً.[١٦]

مراتبه

للبخل مراتب، أدناها: إمساك الشيء الذي لا يحتاجه البخيل ولا ينفعه، والأعلى منه: البخل بالشيء الذي لا يملكه البخيل، أي إنه لا يمتنع عن إعطاء ماله إلى الآخرين وحسب، بل إنه لا يرغب في أن يعطي شخص شيئاً إلى شخص آخر، والأكثر بخلاً منه الشخص الذي لا يبخل على الآخرين فحسب، بل إنه يبخل على نفسه أيضاً، وحرصه على تكديس الثروة يمنعه من أن يُنفق المال على احتياجاته الشخصية.[١٨]

أقسامه

لا یقتصر البخل في الروایات الإسلامیة علی الامکانیات الاقتصادیة، بل یشمل أيضاً إمساك العلم المفيد للناس وكتمانه، وكذلك الامتناع عن السلام على الآخرين والصلاة على النبيصلی الله عليه وآله وسلم،[١٩]

أقبح أقسامه

لقبح البخل مراتب، وترتبط شدته وضعفه بالشخص البخيل والشيء الذي يمسكه، وبناءً على ذلك فكلما كانت منزلة البخيل أعلى وكان ترك البخل للشيء الذي یبخل به ضروریاً أکثر، ازداد قبح البخال، ولذل فقد اعتبرت الروايات بخل الأثرياء والأشخاص الذين يتمتعون بمركز اجتماعي مهم، أقبح من بخل الآخرين،[٢٠] كما أن البخل في دفع الحقوق المالية الواجبة إلى الأشخاص المستحقين، هو أقبح أنواع البخل.[٢١]

مناشئ البخل

عدّت النصوص الإسلامية العديد من المناشئ للبخل، منها: الجهل باعتبار مصدراً للبخل، والأمراض النفسية، والعجز، وكذلك الوساوس التي تعتري الإنسان حول الإنفاق وأنه سبب الفقر، وكذلك الكفر والنفاق، وسوء الظن بالوعد الإلهي منشأ للبخل.[٢٢]

آثاره

  • البعد عن الله ودخول النار: عن الإمام الرضاعليه السلام أنّه قال: ”السخاء شجرة في الجنة أغصانُها في الدنيا، فمن تعلق بغصن مِنهَا أدَّتهُ إِلى الجنة، والبخل شجرة في النار أغصانها في الدنيا فمن تعلق بغصن من أغصانها أدته إلى النار أعاذنا الله، وإياكم من النار“.[٢٣]
  • محق الدين: روي عن الإمام الصادقعليه السلام أنّه قال: ”من عرف الله خافهُ، ومن خاف الله حثهُ الخوف من الله على العمل بطاعته والأخذ بتأديبه، فبشر المطيعين المتأدبين بأدب الله والأخذين عن الله أنهُ حق على الله أن ينجيه من مضلاتِ الفتن، وما رأيتُ شيئاً هو أضر لدين المسلم من الشُّح“.[٢٤]
  • الداء: عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفرعليه السلام كان رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم يتعوذ من البخل فقال نعم يا أبا محمد في كل صباح ومساء ونحن نتعوذ بالله من البخل، الله يقول ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ،[٢٥] وسأخبرك عن عاقبة البخل إن قوم لوط كانوا أهل قرية أشحاء على الطعام فأعقبهم البخُل داء لا دواء لهُ في فروجهم.[٢٦]
  • ذهاب الإيمان: روي عن الإمام الصادقعليه السلام أنه قال:”المؤمن لا يكون سجيته الكذب والبخل والفجور، وربما ألم من ذلك شيئاً لا يدوم عليه“.[٢٧]
  • منشأ كلّ سوء: قال أمير المؤمنينعليه السلام: ”البخل جامع لمساوئ العيوب، وهو زمام يُقاد به إِلى كُل سوء“.[٢٨]

حكم البخل

أنّ البخل من صفات النفس المذمومة، وظاهر كلمات بعض العلماء أنه من المحرمات، قال الفيض الكاشاني: «قد عرف بشواهد الشرع أنّ البخل من المهلكات»،[٢٩] وقد عنون الشيخ الحر العاملي في الوسائل باباً بقوله: «باب تحريم البخل والشحّ بالواجبات»،[٣٠] والأكثر على أنّ الحرمة لم تتعلّق بنفس الصفة الباطنية، بل بالآثار والمسبّبات الناشئة عنها، كمنع الزكاة، والخمس، والإنفاقات الواجبة، والكفارات، والديون وغيرها،[٣١] قال السيد الخوئي: «العمل بها (أي بصفة البخل) ليس بحرام ما لم يوجب ترك واجب أو فعل حرام».[٣٢]

قال تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،[٣٣] فالبخل بأداء الزكاة من أبرز مصاديقه، وقد بيّنت الآية الشريفة أنّ هذا البخل شرّ لهم؛ لاستجلابه العقاب عليهم.[٣٤]

أمّا الروايات فقد دلّت على أنّ المراد بالبخيل هو مانع الزكاة، بل تعميمه بالنسبة إلى المنع عن الواجبات، فقد روى جابر عن أبي جعفرعليه السلام قال: «قال رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم: «إنّما البخيل حقّ البخيل الذي يمنع الزكاة المفروضة من ماله ويمنع البائنة[٣٥] في قومه، وهو في ما سوى ذلك يبذّر».[٣٦]

  • بخل المرأة في مال زوجها: يُستحب للزوج تقدير المعيشة؛[٣٧] بمعنى أن لا يسرف ولا يبخل[٣٨] ولا يقتر في ذلك،[٣٩] ولا يمسك عليهم.[٤٠]

قال الإمام علي عليه السلام: «خيار خصال النساء شرار خصال الرجال: الزهو،[٤١] والجبن، والبخل، فإذا كانت المرأة مزهوّة لم تمكّن من نفسها، وإذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال بعلها، وإذا كانت جَبانة فَرِقَت[٤٢] من كلّ شيء يَعرض لها».[٤٣]

  • بخل الوالي: صرّح بعض الفقهاء بأنّه يشترط في الوالي أن لا يكون من أهل البخل، والطمع والحرص والمصانعة وحبّ الجاه،[٤٤] فإنّ الوالي مسلّط على نفوس المسلمين وأموالهم ويتوقّع منه رعاية مصالح الاُمّة في القبض والبسط والأعمال والأخلاق، فالبخيل بحسب الطبع ربّما يمسك عن صرف المال في مصلحة اجتماعية مهمّة، فيضرّ بالاُمّة قهراً وإن فرض عدم تعمّده لذلك، فالحبّ الشديد للمال والجاه وشؤون الدنيا يعمي ويصم، فلا يناسب قيادة المسلمين.[٤٥]

قال الإمام علي عليه السلام: «لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نَهمته[٤٦][٤٧]

  • التحرّز عن مؤاخاة البخيل ومشاورته: ينبغي التحرّز عن مؤاخاة البخيل،[٤٨] لما ورد عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله‏ عن أبيه عليهم السلامقال: «قال لي أبي علي بن الحسينعليه السلام يا بنيّ …. وإيّاك ومصاحبة البخيل؛ فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه…. ».[٤٩]

ينبغي للإنسان مشورة من له الصفات المحمودة،[٥٠] والبخيل ليس كذلك، وورد النهي عن مشاورة البخيل،[٥١]

قال الإمام عليعليه السلام في عهده إلى مالك الأشتر: «ولا تدخلنّ في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر…. ».[٥٢]

علاج البخل

علاج مرض البخل يتم بعلم وعمل، والعلم يرجع إلى معرفة آفة البخل وفائدة الجود، والعمل يرجع إلى البذل على سبيل التكلف الى أن يصير طبعاً له، فكل طالب لإزالة البخل وكسب الجود ينبغي أن يكثر التأمل في أخبار ذمّ البخل ومدح السخاء، و ما توعد الله به على البخل من العذاب العظيم، ويكثر التأمل في أحوال البخلاء و في نفرة الطبع عنهم، حتى يعرف بنور المعرفة وأن البذل خير له من الإمساك في الدنيا والآخرة، ثم يكلّف نفسه على البذل و مفارقة المال، و لا يزال يفعل ذلك إلى أن يهيّج رغبته في البذل، وكلما تحركت الرغبة ينبغي أن يجتنب الخاطر الأول و لا يتوقف لأن الشيطان يعده الفقر و يخوفه ويوسوسه بأنواع الوساوس الصادة عن البذل.[٥٣]

الهوامش

  1. الطبرسي، مجمع البيان، ج 2، ص 46.
  2. ابن منظور، لسان العرب، ج 1، ص 332.
  3. الراغب الأصفهاني، المفردات، ص109.
  4. معلوف، المنجد، ص 67.
  5. الفيومي، المصباح المنير، ص 38.
  6. المشكيني، مصطلحات الفقه، ص 102.
  7. المحجّة البيضاء، ج 6، ص 84.
  8. تفسير الثعالبي، ج 5، ص 410.
  9. الجزائري، معجم الفروق اللغوية، ص 295.
  10. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 9، ص 42، ح 20.
  11. الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، ج 2، ص 151.
  12. الفراهيدي، العين، ج 7، ص 10.
  13. التكوير: 24.
  14. الجزائري، معجم الفروق اللغوية، ص 332.
  15. ابن منظور، لسان العرب، ج 12، ص 211.
  16. الجزائري، معجم الفروق اللغوية، ص 461.
  17. ابن زكريا، معجم مقاييس اللغة، ج 5، ص 55.
  18. الري شهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج 7، ص 118.
  19. الري شهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج 7، ص 118.
  20. غرر الحكم، ج 6، ص 70، ح 9552.
  21. غرر الحكم، ج 2، ص 430، ح 3154.
  22. الري شهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج 7، ص 120.
  23. النوري، مستدرك الوسائل، ج 7، ص 14.
  24. المجلسي، بحار الأنوار، ج 67، ص 400.
  25. الحشر: 9.
  26. النوري، مستدرك الوسائل، ج 7، ص 30.
  27. الكليني، الكافي، ج 2، ص 442.
  28. نهج البلاغة، ص 721.
  29. الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء، ج 6، ص 82.
  30. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 21، ص 549 ، ب 24 من النفقات.
  31. المشكيني، مصطلحات الفقه، ص 103.
  32. الخوئي، صراط النجاة، ج 3، ص 298.
  33. آل عمران: 185.
  34. الاسترآبادي، آيات الأحكام، ج 1، ص 379.
  35. المراد بالبائنة: المال يُخصّ به أحد الأبناء، المعجم الوسيط، ج 1، ص 80.
  36. الصدوق، معاني الأخبار، ص 245، ح 4.
  37. الحلي، الجامع للشرائع، ص 246.
  38. الفيض الكاشاني، مفاتيح الشرائع، ح 2، ص 10.
  39. زين الدين، كلمة التقوى، ج 6، ص 172.
  40. الجزائري، التحفة السنية، ج 2، ص 189.
  41. الكبر والعظمة. الفراهيدي، العين، ج 4، ص 73.
  42. فَزِعَت وخافت. ابن منظور، لسان العرب، ج 10، ص 247.
  43. نهج البلاغة، ص 509، ح 234.
  44. الخميني، البيع، ج 2، ص 623.
  45. المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه، ج 1، ص 329.
  46. بفتح النون وسكون الهاء: إفراط الشهوة والمبالغة في الحرص. الفراهيدي، العين، ج 4، ص 61.
  47. نهج البلاغة، ص 189، خ 131.
  48. السبزواري، مهذب الأحكام، ج 15، ص 294.
  49. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 12، ص 32، ح 1.
  50. السبزواري، مهذب الأحكام، ج 15، ص 308.
  51. السبزواري، مهذب الأحكام، ج 15، ص 310.
  52. النوري، مستدرك الوسائل، ج 8، ص، ح 1.
  53. النراقي، جامع السعادات، ج 1، ص 454 ــ 455.

Loading