معنى الصّبر ومراتبه
معنى الصّبر ومراتبه
الصّبر هو: “كفُّ النفس عن الجزع عند حلول مكروه”، وقيل إنّه: “امتناع النفس عن الشكوى على الجزع المستور”. والمراد من الشكوى هنا الشكوى إلى المخلوق، وأمّا الشكوى عند الخالق المتعالي وإظهار الجّزع والفزع أمام قدسيّته فلا تتنافى مع الصّبر. كما اشتكى النبيّ أيوب عليه السلام عند الحقّ سبحانه قائلاً: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾1 رغم أنَّ الله تعالى أثنى عليه بقوله ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾2. وقال النبيّ يعقوب عليه السلام: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ﴾3 مع أنّه كان مع الصّابرين. بل إنّ ترك الشكوى إلى الحقّ المتعالي إظهارٌ للجلادة وللدعوى.
ويبدو من تراجم حياة الأنبياء العظام والأئمة المعصومين – صلوات الله عليهم أجمعين – أنّهم على الرغم من أنّ مقاماتهم كانت أرفع من مقام الصّبر ومقام الرضا والتسليم، إلَّا أنهم لم يمتنعوا عن الدعاء والتضرّع والعجز أمام المعبود. وكانوا يطلبون حاجاتهم من الحقّ سبحانه. وهذا لا يكون مغايراً للمقامات الروحية، بل إن تذكّر الحقّ جلّ وعلا والخلوة والمناجاة مع المحبوب وإظهار العبودية والذلّ أمام عظمة الكمال المطلق، غاية آمال العارفين وثمرة سلوك السالكين. وعلى أيّ حال فالحقيقة أنَّ الصّبر هو الامتناع عن الشكوى على الجزع الكامن.
مراتب الصبر
مراتب الصّبر كثيرة، نذكر هنا بعض المراتب التي تطابق الحديث النبويّ الشريف: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الصّبر ثلاثة: صبرٌ عند المصيبة، وصبرٌ على الطاعة، وصبرٌ عن المعصية، فمن صبر على المصيبة حتّى يردّها بحسن عزائها، كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض. ومن صبر على الطاعة، كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش. ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش”4.
ونعلم من هذا الحديث الشريف ثلاث درجات للصبر، وهي مبادئ الصّبر:
المرتبة الأولى: الصّبر على البليّات والمصائب
وذلك بأن يكون الإنسان في هذا النوع من الواردات متملّكاّ نفسه، فلا يجزع ولا يشكو عند الخلق. أمّا الجزع والشكاية عند الخالق فهي ليست نقصاً. وإن كانت عيباً عند أهل المعرفة، لأنّه تجلّد وتصلّب، وفي مذهب العشق والمحبة يعتبر التجلّد عيباً كبيراً، لأنّ المطلوب هو فقط إظهار العجز والفقر، والتجلّد هو الغرور وإظهار الوجود، وهذا عند أهل المعرفة من أكبر الجنايات. وللصّبر في المصيبات ثلاثمائة درجة من الثواب ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض.
المرتبة الثانية: الصّبر على الطاعة
وذلك بأن يكون الإنسان في طاعة الحقّ تعالى متمالكاً لنفسه، فلا تأخذ النفس الأمّارة بالسوء الزّمام من يد الإنسان ويطلق لها العنان. وإطلاق العنان بشكلٍ عام يكون في مقامين، والصّبر في أحدهما أصعب كثيراً منه في الآخر:
المقام الأوّل: وهو الذي يكون الصّبر فيه سهلاً، وهو الصّبر عن إطلاق العنان للنّفس في ترك الطاعات. والصّبر في هذه المرحلة عبارة عن مقاومة النفس الأمّارة والشيطان، والإتيان بالوظائف الإلهية بحدودها الشرعيّة وآدابها القلبية، وهذا من المصاعب.
المقام الثاني: والصّبر فيه يكون أصعب، وهو منع إطلاق العنان للنفس بعد الإتيان بالعمل والطاعات، وهو حبس النفس بعد القيام بآداب العمل وشرائطه الظاهرة والباطنة لكي لا تبتلى بالعجب والكبر وغيرهما. وربما يدعو الشيطان والنفس الأمّارة الإنسان إلى الأعمال الصالحة، والأخلاق الحميدة والتبعيّة للشريعة المطهّرة لسنواتٍ طويلة رجاء أن يبتلى بالإعجاب وحب النفس فيسقط رغم جميع مشقّاته ورياضاته.
المرتبة الثالثة: الصّبر عن المعصية
بمعنى أنّ الإنسان يصبر في مجاهدة نفسه وجنود إبليس، وبواسطة الاستقامة والمثابرة يتغلّب عليهم. ولهذه الدرجة مقاماتٌ وحقائق ولطائف كثيرة، والصّبر في كل درجةٍ منها أصعب وأدقّ من الصّبر على الطاعات. بل إنّ الموفّق في الصّبر في هذه المرتبة يسهل عليه الصّبر على الطاعات.
الهوامش
1- سورة ص، الآية 41.
2- سورة ص، الآية 44.
3- سورة يوسف، الآية 86.
4- الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 91.
5- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 68، ص 68.
المصدر
http://www.almaaref.org