الحرص

الحرص

ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: “أصول الكفر ثلاثة: الحرص، والاستكبار، والحسد”1.

خلق الله تعالى الإنسان على فطرة الانجذاب إليه وتوحيده, إلا أنَّ عوامل قد تتدخل لحرفه عن مساره الفطري ليقع في شراك الكفر.

أسباب الحرص

ويمكن تصنيف هذه العوامل إلى ثلاثة:

١- التربية في مراحل الطفولة

وهذا ما أشار إليه الحديث: “كل مولود يولد على الفطرة، وإنّما أبواه يهوِّدانه وينصِّرانه”2.

٢- شبهات فكرية عقائدية

فقد تطرأ شبهات في العقيدة لا يقنع الإنسان بأجوبة الإيمان عنها, إمَّا لضعفٍ في المجيب, وإمّا لخصوصيَّة الحالة الذهنية عند صاحب الشبهة…الخ.

٣- صفات نفسية

وهذا ما أشار إليه الحديث السابق عن الإمام الصادق عليه السلام: “أصول الكفر ثلاثة: الحرص، والاستكبار، والحسد”3. وهو ما يدعو للوقوف عند كل واحدة من هذه الصفات، والبداية مع الحرص.

معنى الحرص

الحرص هو التعلَّق الشديد بالشيء، والذي يصل إلى حدّ الافراط وتولِّد الجشع.

يُقال في اللغة: حرص الثوب أي خرقه، وقيل: هو أن يدقَّه حتى يجعل فيه ثقباً وشقوقاً4.

فالحريص على المال هو المتعلّق به تعلقّاً شديداً يخرجه عن حدِّ التوازن, فيتحول ماله إلى مالك لا مملوك له.

والحريص على المنصب هو المتعلِّق به تعلّقًا لا يتصوَّر أنّه سيتخلّى عنه أو يُعزل منه، فيكون الحريص مرؤوساً له بدل أن يكون الرئيس عليه.

وقد أشار الإمام علي عليه السلام إلى حالة الحريص الذي ينقله الحرص إلى موقع المملوك والمرؤوس لما يحرص عليه, بقولهعليه السلام: “الحريص عبد المطامع”5.

سبب الحرص

إن الإنسان مفطور على حبِّ الكمال والسعي نحوه, لذا تراه حينما يعتقد كمال شيء، فإنّه ينجذب إليه, وقد ينشدّ انجذابه إلى درجة التشبث بذلك الشيء, فُيفرط في جشعه به.

لكن الإنسان قد يُخطىء مصداق الكمال, فينجذب إلى مصاديق النقص ويتفاعل معها ظنَّاً منه أنَّها تحقِّق كماله. وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا﴾6، أي شديد الحرص, قليل الصبر.

ويمكن أن يُختصر عنوان مصاديق النقص بـ : “الدنيا الغاية”, مقابل الكمال الحقيقي الذي يتحقّق من خلال التوجّه إلى الله تعالى.

وبين التوجّه إلى الدنيا الغاية والتوجّه إلى الله تعالى معاكسة ظاهرة، فالتوجّه إلى الله تعالى يولّد اطمئنان القلب, وبالتالي سعادة الإنسان ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾7. وفي هذا التوجُّه يحلو الحرص, فعن الإمام الباقرعليه السلام: “لا حرص كالمنافسة في الدرجات”8.

أمّا التوجّه إلى الدنيا الغاية فهو الذي ينتج الحرص السلبي, فعن الإمام علي عليه السلام: “إن الدنيا مشغلة عن غيرها, ولم يصب صاحبها منها شيئاً إلا فتحت له حرصاً عليها, ولهجاً بها, ولن يستغني صاحبها بما نال فيها عمَّا لم يبلغه منها”9.

وعن الإمام الباقرعليه السلام: “مثل الحريص على الدنيا كمثل دود القز كلّما ازدادت من القز على نفسها لفّاً كان أبعد لها من الخروج حتّى تموت غمّاً”10.

لماذا الحرص من أصول الكفر؟

الجواب: لأنَّ الحرص على الدنيا الغاية الذي يواكب الابتعاد عن ما يريد الله تعالى, وعن ما قسمه بين الناس يحمل في طيّاته الشكّ بالله, وقلّة الثقة به, من هنا كان الحرص من أصول الكفر الثلاثة.

وقد أشار الإمام علي عليه السلام إلى هذا السبب بقوله الوارد عنه: “على الشكّ وقلّة الثقة بالله مبنى الحرص والشُّحّ”11.

آثار الحرص على الإنسان

على قاعدة حكمة الله وغناه, فإنّ الشريعة فقهاً وآداباً عبارة عن برنامج سعادة الإنسان, فالطاعات تولد السعادة, والمنهيات عنها تُولِّد الشقاء.

وقد أرشدت أحاديث أهل البيت عليه السلام إلى آثار الحرص السلبية على الإنسان التي تنتج شقاء منها:

١- فقدان الحياء, فعن أمير المؤمنين عليه السلام: “لا حياء لحريص”12.

٢- المهانة والذلّ, فعن أمير المؤمنين عليه السلام: “الحرص ذلّ وعناء”13.

وعنه عليه السلام: “الحريص أسير مهانة لا يُفكّ أسره”14.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: “ما أقبح بالمؤمن ان تكون له رغبة تذلّه”15.

وروي أنّه سُئل أمير المؤمنين عليه السلام: “أيّ ذلّ أذلّ؟” قال عليه السلام: “الحرص على الدنيا”16.

٣- التعب وعدم الراحة, فعن أمير المؤمنين عليه السلام: “الحريص متعوب فيما يضرّه”17, وورد عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث عن الحريص: “حُرِمَ القناعة، فافتقد الراحة”18.

٤- الفقر, فعن أمير المؤمنين عليه السلام: “الحريص فقير، ولو ملك الدنيا بحذافيرها”19.

وبالتالي سُئل الإمام علي عليه السلام ما الفقر؟, فقال عليه السلام: الحرص والشره”20.

٥- الشقاء, فعن أمير المؤمنين عليه السلام: “أشقاكم أحرصكم”21, وعنه عليه السلام أيضاً: “من كثر حرصه كثر شقاؤه”22.

علاج الحرص

١- التفكُّر

المسلك الأول في علاج الحرص ينطلق من تصحيح العقيدة بالله تعالى وحكمته, والإيمان بالآخرة، وأنّها الدار التي تستأهل حقّاً دون الدنيا, اسم “الحيوان”, فإنّ ذلك ينفع في دفع الحرص السلبي عن الإنسان. من هنا أكدَّ القرآن الكريم على أن الدنيا ليست كما يظنّها الحريص, فقال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا﴾23.

وأكدَّ سبحانه أن الآخرة هي الحياة الحقيقية بقوله: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾24.

كما ألفت عزَّ وجلَّ أنّ الموجود في الآخرة خير وأبقى من المقصود في الدنيا بقوله تعالى: ﴿وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾25.

٢- ذكر الموت

المسلك الثاني في علاج الحرص يكمن في تذكّر الموت وما يعقبه, وما يواكبه من الانقطاع عن هذه الدنيا، فقد ورد في وصية الإمام الصادق عليه السلام لدفع الحرص: “أما تحزن، أما تهتم، أما تألم؟ قلت: بلى والله. قال عليه السلام: فإذا كان ذلك منها، فاذكر الموت،ووحدتك في قبرك، وسيلان عينيك على خديك، وتقطع أوصالك، وأكل الدود من لحمك، وبلاك، وانقطاعك عن الدنيا، فإنَّ ذلك يحثّك على العمل، ويردعك عن كثير من الحرص على الدنيا”26.

٣- التأمُّل في كرامة غير الحريص على الدنيا

قال الله تعالى: ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ﴾27.

المُراد من الحقّ المعلوم

عن الإمام الصادق عليه السلام: “هو الشيء يعمله الرجل في ماله في اليوم أو في الجمعة أو في الشهر قلّ أو كَثُرَ، غير أنّه يدوم عليه”28.

ويفسِّر الإمام السجّاد عليه السلام، في بعض الروايات الحقّ المعلوم بالتبرُّع (الصدقة غير الواجبة)، فيسأله أحدهم: فماذا يصنع به؟ قال عليه السلام: “يصل به رحمًا، ويقري به ضيفاً، ويحمل به كلا، أو يصل به أخا له في الله، أو لنائبةٍ تنوبه”29.

هوامش

1- الكلينيّ، محمد، الكافي، ط٤، طهران، دار الكتب الإسلامية، ١٣٦٥هـ.ش، ج٢، ص ٢٨٩.

2- الطوسي, محمد, الخلاف, لا،ط-، قم، مؤسسة النشر الإسلامي, ١٤١١هـ, ج٣, ص ٥٩١.

3- الكلينيّ، محمد، الكافي، ج٢، ص ٢٨٩.

4- ابن منظور، محمد، لسان العرب، لا.ط-، قم، نشر أدب الحوزة، ١٤٠٥هـ، ج٧، ص١١.

5- الطبرسي، حسين, مستدرك الوسائل, ط١، بيروت، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، ١٩٨٧م، ج١٢, ص ٦١.

6- سورة المعارج, الآية ١٩.

7- سورة الرعد, الآية ٢٨.

8- الكاشاني، محمد، الوافي، تحقيق مركز التحقيقات الدينية، ط١، أصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامة، ١٤١٦هـ، ج٢٦، ص ٢٦٢.

9- ابن أبي طالب، علي، نهج البلاغة، شرح محمّد عبده، ط١، قم، دار الذخائر، ١٤١٢هـ، ج٣, ص ٧٨.

10- الكليني, محمد بن علي, الكافي, ج٢, ص ١٣٤.

11- الواسطي، علي، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق حسين الحسيني البيرجندي، ط١، قم، دار الحديث، ١٣٦٧هـ.ش، ص ٣٢٨.

12- الواسطي، علي، عيون الحكم والمواعظ، ص ٥٣٦.

13- الطبرسي، حسين، مستدرك الوسائل, ج١٢, ص ٦١.

14- الواسطي، علي، عيون الحكم والمواعظ، ص٣٠..

15- الطبرسي، حسين, مستدرك الوسائل, ج١٢, ص ٦٨.

16- المصدر السابق, ج١٢, ص ٥٩.

17- المصدر السابق, ص ٦١.

18- البروجردي, حسين، جامع أحاديث الشيعة, لا,ط-, مدينة العلم, قم, ١٤٠٧هـ, ج١٤, ص ٣٠.

19- الواسطي، علي، عيون الحكم والمواعظ، ص ٢٢.

20- الصدوق, محمد, معاني الأخبار, تحقيق علي الغفاري, لا,ط-, قم، مؤسسة النشر الإسلامي, ١٣٧٩هـ, ص ٢٤٤.

21- الطبرسي، حسين, مستدرك الوسائل, ج١٢, ص ٦٢.

22- الواسطي، علي، عيون الحكم والمواعظ، ص ٤٥٩.

23- سورة الحديد, الآية ٢٠.

24- سورة العنكبوت , الآية ٦٤.

25- سورة, القصص, الآية ٦٠.

26- الصدوق, محمد، الأمالي، ط١، قم، مؤسّسة البعثة، ١٤١٧هـ, ص ٤٢٦.

27- سورة المعارج, الآيات ٢٢-٢٧.

28- الكليني, محمد، الكافي, ج٣, ص ٤٩٩.

29- المصدر السابق, ص ٥٠٠.

المصدر

http://www.almaaref.org

Loading