المبادئ التربوية للعدل في المجتمع الإسلامي

قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الآرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}(لقمان: 16) صدق الله العلي العظيم.

مفهوم العدل والظلم:
من المعالم التربوية الهامة التي تشكل أساساً لترسيخ الكثير من المفاهيم، هي مسألة العدل والظلم. والتي تُعد من أهم المفاهيم التي أعطاها الإسلام عناية كبيرة وفائقة. وهذا ما أوضحته الآية التي افتتحنا بها الحديث، عندما عرضت الأسلوب التربوي الذي اتخذه لقمان الحكيم تجاه ابنه، فقبل أن يبدأ بتوجيه النصح وطرح القيم المعنوية التي يريد ترسيخها في ذهن ابنه أكد على الإحاطة والقيومية لله تبارك وتعالى في وضع الأمور في مواضعها، وعدم الظلم والقيام بالقسط والعدل، {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الآرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}.

الظلم في مفهومه اللغوي:
الظلم في اللغة هو وضع الشيئ في غير موضعه، وعلى خلاف نسق الطبيعة، لأنّ وضع الشيئ في موضعه المناسب هو عدل، وكمثال على ذلك، عندما يصبح الإنسان مديراً لمدرسة أو لمعهد أو مصنع أو منشأة عامة، ويعمل لديه موظفون، نجد هذا المدير يُسقط مبدأ الكفاءة والأهلية في العمل، وذلك من خلال السعي الجاد في ترقية الموظف -الذي لا يستحق تلك الرتبة- لاعتبارات شخصية أو مصالح خاصة، فهذا يعتبر تجاوزاً للعدل ووضع الشيء في غير موضعه ظلماً وتعدياً.

أهمية غرس مبادئ العدل في الإسلام:
ولكي تتضح أهمية العدل في الإسلام فلا بد من إلقاء نظرة على بعض آي القرآن الكريم, التي تبين العاقبة الوخيمة للظلم, وتشجبه كمفهوم ينبغي للإنسان أن لا يقترب منه، وأن لا يتعامل معه، لا مع نفسه ولا مع أسرته ولا مع المجتمع الذي يعيش في كنفه، قال تعالى : {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}(الأنعام: 21) الفلاح في اللغة هو النجاح. من يريد أن ينجح عليه أن لا يمارس الظلم بجميع أشكاله وصوره وبالخصوص مع أسرته في مساره التربوي معها. ويقول تعالى أيضاً: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }(المائدة: 51) الهداية تأتي بمعنيين:
الأول: الإراءة للطريق بمعنى أنّ الإنسان الظالم يحجب الله تعالى عنه الرؤيا السليمة والثاقبة، فلا يرى الحق ويبتعد عنه ويرى الباطل ويقترب إليه ومنه.
الثاني: الإيصال إلى الهدف . الذي يظلم الآخرين ويعتدي على حقوقهم، فإنّ الله تعالى لا يوصله إلى الأهداف السامية، ولا يوفقه في الوصول إلى الكمال المنشود.
وفي آية أخرى، يقول تعالى: {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}(آل عمران: 57) الله لا يحب ولا يهدي الظالمين، ثم يبين الله تبارك وتعالى العاقبة السيئة المترتبة على الظلم في الناحية الاجتماعية، باعتباره يؤدي إلى القضاء على المنجزات والمكتسبات التي ينجزها الإنسان بكل قدراته الفائقة وإمكاناته الهائلة، {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ}(يونس: 13) الظلم يؤدي إلى الهلاك، لذا، على الأبوين أن يؤكدا على القيم الأخلاقية التي تشجب الظلم وتركز على العدل، منذ البدايات الأولى في تنشئة الأبناء، ومن ثم ينطلق الأبوان في غرس معالم القيم بشكل تدريجي، كما بدأ لقمان عليه السلام في التوكيد على أهمية الارتباط بالله من خلال الصلاة، ولننظر إلى مفهوم العدل من ناحية عملية في فكر إمامنا أمير المؤمنين عليه السلام، الذي يقول عليه السلام: ((والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بعضهم يقول: أنّ الإمام يشير إلى المُلك، أي يكون حاكماً على القارات السبعبما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته))، وهذا نوع من الظلم يشير إليه في عالم الحيوان، فما بالك بالظلم بالنسبة للإنسان، والإمام عليه السلام يؤكد على أنّ التعدي على عالم الحيوان على غير وفق مقاييس العدل والقسط، والإمام عليه السلام لا يمكن أن يتعدى بظلم بسيط جداً في مقاييسنا بالنسبة لنملة، بحيث يأخذ من فمها جلب شعيرة، في قِبَال ذلك، يصبح حاكماً على الكرة الأرضية،فالإمام يرفض كل ذلك من أجل الحفاظ على قيم العدل. انتبهوا! هذا الأمر في معالم التربية هام جداً، لأنّ المجتمع لا يستطيع أن يتقدم، وأن يحافظ على منجزاته إلا إذا وكّد هذه المفاهيم في الطفل منذ ريعان الصبا, حتى يكبر مع هذه المفاهيم. ثم يختم الإمام عليه السلام كلامه بقوله : ((وما لعلي ونعيمٍ يفنى))، هذه الكلمة عند بعض العلماء لها معنيان:
الأول: هو الذي أشار إليه لقمان في الآية، من أنّ النتيجة التي يصل إليها الإنسان هي انتقاله إلى عالم غير مادي، يحاسب فيه على كل صغيرة وكبيرة.
الثاني: هو أنّ إقامة المنجزات والمكتسبات على الظلم لايتاح لها الاستمرار والديمومة والبقاء، لأنّ هذه المنجزات إذا لم تقم على أساس العدل فإنها سوف تتلاشى وتنتهي.

أساليب تربوية خاطئة.
وهذا النحو من الظلم الذي ذكرناه ينطبق على مسألة التربية، فمن المؤسف أن نجد في هذه الأيام بعض الآباء يميز بعض أبنائه بالحب والعطاء الأكثر، دون بقية الأخوة، وهو بهذه الطريقة يرسم خطة للظلم من حيث لايشعر، ويجعل بناء الأسرة ضعيفاً وقائماً على العداوة والبغضاء، ويصبح كبيت العنكبوت، ليس من ناحية الخيط الذي ينسجه العنكبوت، لأنّ هذا الخيط قوي جداً، ولو جمع هذا النسيج من الخيوط فمن الممكن أن تُحمل عليه الأشياء الثقيلة حتى الدبابة، ولكن المراد من كون بيت العنكبوت من أوهن وأضعف البيوت يرجع إلى أنّ هذه العناكب – في طبيعتها- عندما تكون في بيت واحد بعضها يعتدي على البعض الآخر، وبعضها يأكل البعض الآخر، فتركيبتها عدوانية، ولذا، لا يتاح لهذه العناكب الاستمرار والبقاء, لأنها قائمة على مبدأ التعدي, فلا يتاح للبيت الواحد أن يستمر ويدوم، لأنه ينقض بعضه البعض الآخر. والأسرة إذا أصبحت كالعناكب في طبيعتها العدوانية والظلم، فإنّ بناءها سوف يتصدع ويهتري ونهايتها الزوال والانقراض.

الأسس التربوية عند الأئمة عليهم السلام
من الأسس التربوية التي كان يؤكد عليها أهل البيت عليهم السلام هي شجب الظلم، والتأكيد على العدل، لأنه لا يمكن للبناء الأسري أو الاجتماعي أن يحافظ على منجزاته إلا بالعدل وترك الظلم. ولقد صور الإمام الباقر عليه السلام البيت الأسري الذي ملؤه الحنان من الناحية التربوية في الجانب التطبيقي، عندما قال عليه السلام: ((لما دنت من أبي زين العابدين الوفاة ضمني إلى صدره فقال: بني، أوصيك بما أوصاني به أبي ماذا قال الإمام الحسين عليه السلام لزين العابدين حينما أراد أن يبلغ هذه الرسالة لابنه الباقر عليه السلام؟ إياك وظلم من لم يجد عليك ناصراً إلا الله))، والإنسان أو المجتمع الضعيف الذي تتعدى عليه وتأكل حقه وتمارس أنواع الظلم تجاهه، وهو لا يستطيع أن يقاوم، لأنك الأقوى، فإنه سيأتي يوم تدور فيه الدوائر عليك وكما ظلمت تُظلم، ولذا، نجد الروايات تقول: ((إنه من ظلم تُعدي عليه إما هو، أو على عقبه, أو على عقب عقبه))، هذه معادلة كونية لا يمكن أن يستثنى منها الإنسان كشخص، ولا الإنسان كمجتمع، وهذا ما صرحت به الآيات التي ذكرناها.

دور الأبوين في صلاح الأبناء.
يمكن للأبوين أن يسهما في جعل الأبناء جزءاً من المجتمع الصالح، وذلك من خلال:
أولاً: التوكيد في الانطلاقة الأولى في شجب الظلم والتوكيد على العدل.
ثانياً: إقامة صرح معالي القيم بأن يبين الأبوان -مثلاً- أهمية الصلاة وفعل المعروف، وما إلى ذلك من الأمور كما جاءت في الوصية التي أوصى بها لقمان ابنه.

Loading