الخلافات الزوجية

التوافق الزوجي

من وظائف الزواج الاساسية تحقيق الاطمئنان والاستقرار النفسي، حيث يجد كل من الزوجين في الاخر مبعث سرور وارتياح، وسند تعاطف ودعم، في مواجهة مشاكل الحياة، وتلبية احتياجاتها.

لذلك يعبر القرآن الكريم عن العلاقة الزوجية بانها سكن وملجا، ياوي اليه الانسان، يقول تعالى: (ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم اءزواجالتسكنوا اءليها وجعل بينكم مودة ورحمة)[الروم/21]، ولا يحصل السكون والاطمئنان في الحياة الزوجية، الا اذا كانت العلاقة بين الزوجين في اطار المودة والرحمة، والمودة تعني الحب والانشداد العاطفي،والرحمة تعني رفق كل منهما بالاخر، وشفقته عليه.

وتلك هي ارضية التوافق الزوجي، التي لا تحقق الحياة الزوجية اغراضهاالا بوجودها. ويعني التوافق الزوجي: قدرة كل من الزوجين على التواؤم مع الاخر، ومع مطالب الزواج. ونقيض حالة التوافق حالة التنافر، التي تبدا بحصول انطباعات سلبية من احد الزوجين تجاه الاخر، او من كليهما، وبصدور ممارسات وتصرفات من احدهما مخالفة لرغبة الاخر،او من كليهما، ما يلبد سماء الحياة الزوجية بغيوم الخلاف والنزاع،ويكدر صفوها بشوائب الاذى والانزعاج.

ان الخلافات والمشاكل، في الحياة الزوجية، اذا لم تعالج، تسلب الطرفين راحتهما وسعادتهما، وتفقدهما اهم ميزات الارتباط الزوجي وخصائصه.

ويضغط الخلاف العائلي على الانسان اكثر من اي خلاف آخر، لانه يقع في اقرب الدوائر والحلقات الى ذاته.

كما تنعكس الخلافات العائلية على تربية الاولاد، فتتمزق نفوسهم،وتضيع حقوقهم، ويستقبلون الحياة من خلال اجواء سيئة ملوثة.

بالطبع، مهما كانت درجة التوافق الزوجي عالية، فانها لا تمنع حصول بعض الخلافات والاشكالات، في ما بين الزوجين، وبخاصة في السنوات الاولى من الزواج، حيث تكون خبرة كل منهما بالاخر قليلة، والثقة في بدايتها، لكن اسلوب التعامل، مع المشاكل الحادثة، اذا كان واعيا ناضجا، فانه يمنع تفاقمها وتطورها، بل يحولها الى مصدر اغناء وحماية لتجربة التوافق بين الزوجين.

اسباب المشاكل

لا احد من الزوجين يرغب في وجود مشاكل في حياته الزوجية، بل يتمنى السعادة والانسجام، لكن قد توجد عوامل واسباب تنشا في ظلهاالخلافات والمشاكل العائلية وتنمو، منها اسباب ذاتية، تعود الى ضعف ثقافة الزوجين وعدم معرفتهم بالعلاقات الزوجية، حيث يعتمد الازواج الجدد، في بناء حياتهم الزوجية، على الاندفاع العاطفي، ومحاكاة الحالة القائمة في المجتمع، وعلى الادراك العفوي البسيط لطبيعة العلاقة الزوجية، من دون ان يتوفروا على معرفة مناسبة لتشريعات الاسلام وتعاليمه، في ما يرتبط بالحقوق المتبادلة بين الزوجين، وب آداب التعامل العائلي واخلاقه. ومن دون اطلاع كاف على الابحاث والتوجيهات العلمية المتخصصة.

ومن الاسباب الذاتية: انحراف المزاج وسوء الاخلاق، ما قد يكون لدى احدهما او كليهما، وبمقدار ذلك تحدث الخلافات والازمات، ان لم يكن الطرف الاخر قادرا على الاستيعاب والتكيف.

وهناك اسباب خارجية، منها تدخلات بعض اهالي الزوجين، ومنهاالصعوبات الحياتية المعيشية، فكثيرا ما تنعكس الازمات الاقتصادية للعائلة، على التوافق الزوجي.

الوعي والثقافة الزوجية

الوعي الحياتي للزوجين، وتوفرهما على مستوى من الثقافة الزوجية،يشكل عامل وقاية وحصانة من نشوب الخلافات الضارة، او اشتدادهاوتفاقمها.

ومهما كانت درجة التوافق الزوجي، فان حصول شيء من الخلاف امرمحتمل ومتوقع، وبخاصة عند مواجهة الازمات والصعوبات، وهنا ياتي دور الوعي، ونضج الشخصية، لمعالجة الموقف بتعقل وحكمة، بعيداعن التشنج والانفعال، الذي يحول المشكلة البسيطة الى قضية معقدة.

والتعاليم الدينية التي تبين لكل من الزوجين حقوق الاخر وفضله ومكانته، وتحث على احترامه وخدمته، وتحمل ما قد يصدر منه من اخطاء او تقصير، انما تهدف الى تعزيز المناعة في نفسية الطرفين، تجاه ما قد يواجههما من مشاكل في علاقتهما الزوجية.

فهناك نصوص دينية كثيرة تخاطب الزوج ليعرف قدر زوجته، وليحسن معاشرتها، وليتحمل مسؤوليته تجاهها. ففي موارد كثيرة يؤكد القرآن الكريم على معاشرة الزوجة بالمعروف، يقول تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) [النساء/19]، ويقول تعالى: (فأمسكوهن بمعروف)[البقرة/231].

وينهى الله، تعالى، الرجل عن مضايقة زوجته، او انزال اي ضرر بها، في شؤون حياتها المعيشية، كالسكن، حتى ولو كانت مطلقة، ما دامت في مرحلة العدة الرجعية، يقول تعالى: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن)[الطلاق/6].

وفي السنة الشريفة احاديث وروايات كثيرة في هذا الاتجاه، كقوله(ص): «ما زال جبريل يوصيني بالمراة حتى ظننت انه لا ينبغي طلاقها الا من فاحشة مبينة» ، وعنه(ص): «الا ومن صبر على خلق امراة سيئة الخلق، واحتسب في ذلك الاجر، اعطاه الله ثواب الشاكرين في الاخرة»

وعنه(ص): «الا خيركم خيركم لنسائه، وانا خيركم لنسائي»

وعنه(ص): «قول الرجل للمراة: اني احبك لا يذهب من قلبها ابدا»

وعن اسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبدالله (جعفر الصادق)(ع): ما حق المراة على زوجها الذي اذا فعله كان محسنا؟ قال(ع): يشبعها ويكسوها، وان جهلت غفر لها. وقال(ع): «كانت امراة عند ابي(ع) تؤذيه فيغفر لها»

وعن الامام الصادق(ع): «رحم الله عبدا احسن في ما بينه وبين زوجته»

وعن الامام الصادق(ع): «لا غنى بالزوج عن ثلاثة اشياء في ما بينه وبين زوجته: وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها»

من ناحية اخرى، هناك نصوص دينية تخاطب الزوجة، لتذكرها بفضل الزوج، ودوره ومكانته في حياتها الزوجية، ولتعلمها ان عليها ان تحترم مقامه بوصفه رب الاسرة، ومتحمل اعبائها ومسؤولياتها.

روت ام المؤمنين عائشة عن رسول الله(ص) انه قال: «اعظم الناس حقاعلى المراة زوجها»

وعنه(ص): «لو كنت آمرا احدا ان يسجد لغير الله لامرت المراة ان تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المراة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها»

وعن حصين بن محصن الانصاري ان عمته اتت النبي(ص)، فقال لها: اذات زوج انت؟ قالت: نعم. قال(ص): «انظري اين انت منه، فانما هوجنتك ونارك»

وعنه(ص): «انه ليس من امراة اطاعت وادت حق زوجها، وتذكر حسنته،ولا تخونه في نفسها وماله، الا كان بينها وبين الشهداء درجة واحدة في الجنة»

الارشاد والتوعية

ان اجراء عقد الزواج بالايجاب من قبل الزوجة، او وكيلها، والقبول من طرف الزوج او وكيله، يعني توقيعهما على اتفاقية مشتركة، ينبغي ان تسبقها معرفة واضحة من كليهما، بما تلزمه هذه الاتفاقية من واجبات تجاه الاخر، وما تعطيه من حقوق على الاخر. لكن مثل هذه المعرفة الواضحة، بالواجبات والحقوق الزوجية، قد لا تتوافر لكثير ممن يدخلون عش الزواج الذهبي.

ومن الملحوظ ان التصدي للاعمال المهمة، ياتي بعد التاهيل والاستعداد المناسب لانجازها، فقيادة الطائرة، او حتى السيارة، ومباشرة العمل الطبي، بل حتى التمريض، وكذلك التعليم وما شابه من الاعمال والمهمات يسبقه عادة تاهيل واعداد، لكن الحياة الزوجية على اهميتهايدخلها الشاب والفتاة، من دون التوفر على برنامج تاهيلي ارشادي، ومن دون الحصول على مستوى من الثقافة والمعرفة، لطبيعة هذه العلاقة الزوجية، ووظائفها وآدابها، ومواجهة ما قد يعترضها من عراقيل وصعوبات.

ان ذلك يجب ان تتكفله مناهج التعليم في المرحلتين: الثانوية والجامعية، ويجب ان يسبق عقد الزواج ارشاد توعوي، ولو عن طريق التثقيف الذاتي، بان يقتني كل من الزوجين بحوثا تتضمن تعاليم الاسلام في تسيير الحياة الزوجية، بوسائل مقروءة او مسموعة.

ومن المناسب جدا ان يكون هناك دور واسهام للاشخاص المتصدين لاجراء عقود الزواج، من الوكلاء والماذون الشرعي، في توجيه المقبلين على الزواج الى توجيهات الاسلام واحكامه، في مجال العلاقات الزوجية، بالحديث معهم، واعطائهم الكتب والمطبوعات المناسبة، والمحاضرات المسجلة، او تشجيعهم على اقتنائها.

وفي ذلك نفع كبير، واجر عظيم من قبل الله تعالى، لانه مصداق للدعوة الى الخير، وللهداية والارشاد، وللامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

كما يشكل خدمة للاصلاح الاجتماعي، وتقوية كيان المجتمع، وتوثيق تلاحمه.

وقد بادرت بعض المؤسسات الاجتماعية الى عقد دورات تثقيفية توعوية لمجموعات من المقبلين على الحياة الزوجية، وهذا برنامج مفيد جدا، ينبغي ان يتحول الى سنة حسنة، ليساعد ابناءنا وبناتنا على النجاح في حياتهم الزوجية، وبخاصة ونحن نعيش ظرفا زادت فيه حدة المشاكل العائلية، وارتفعت وتيرة الطلاق، كما تتحدث الارقام والاحصائيات.

حماية الحقوق الزوجية

ان تشريع الحقوق المتبادلة والمناسبة بين الزوجين، في نظام الاجتماع الاسلامي، يشكل الاساس الرصين، والقاعدة الصلبية، لبناء صرح العلاقة السليمة بينهما، ولاقامة حياة اسرية طيبة، اذ لم يترك التشريع الاسلامي سفينة العلاقات الزوجية، لرياح العاطفة والمزاج الذاتي، ولا لامواج العادات والتقاليد غير العادلة. بل شرع ضوابط وحدودا واضحة للعلاقة بين الزوجين، وحذر من تعديها وتجاوزها، ففي آيتين متتاليتين من سورة البقرة، يتحدث القرآن الكريم عن هذه الضوابط، تحت عنوان «حدود الله»، ويكرر هذا العنوان لها ست مرات في الايتين الكريمتين.يقول تعالى: (الا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)[البقرة/229]. وفي الاية التي تليها يقول تعالى: (ان ظنا ان يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون) [البقرة/230].

ثم ان الاسلام لم يجعل الحقوق الزوجية امتيازا، ولا سلاحا، بيد احدالطرفين، بل هي حقوق متبادلة متوازنة بينهما، يقول تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)[البقرة/230].

والمماثلة هنا (مثل الذي عليهن) لا تعني المشابهة والمطابقة في نوع الحقوق، وتفاصيلها، فكل حق على احدهما، يكون بذاته حقا على الاخر، وبالقدر نفسه، كلا، لان هناك شيئا من الاختلاف في طبيعة دوركل منهما في الحياة الزوجية، يستلزم نوعا من التغاير في الوظائف والحقوق، فالنفقة حق للمراة على الرجل، وليس له عليها حق الانفاق، وخروجها من البيت يحتاج الى اذنه، بينما ليس لها عليه مثل هذا الحق. ان المماثلة، اذا، تعني المقابلة والمشابهة في اصل وجود الالتزام بالحقوق، من كل طرف تجاه الاخر، وهي متوازنة متكافئة، لكنها متغايرة في بعض الجوانب والتفاصيل.

ضمانات الالتزام

ان تشريع الحقوق الزوجية هو بمثابة تصميم لخريطة البناء الاسري، لكن هذه الخريطة، مهما كانت رائعة في هندستها وتصميمها، ستبقى حبرا على ورق، ان لم تتوفر ارادة التنفيذ والالتزام بتلك الحقوق، على الصعيد الفعلي، في العلاقة بين الزوجين.

وملحوظ حصول كثير من التجاوزات والتعديات على الحقوق الزوجية في مجتمعاتنا، وما ارتفاع نسبة الطلاق، وكثافة قضايا الخلافات العائلية في المحاكم، الا مؤشر على وجود تلك التجاوزات والتعديات.

فلا بد من تفعيل ضمانات الالتزام، وبرامج حماية الحقوق الزوجية، لتوفير اجواء التوافق الزوجي، وارضية الانسجام والسعادة، ولوقاية العلاقات الاسرية من التصدع والانهيار.

ومن اهم ضمانات الالتزام بالحقوق الزوجية، معرفتها والوعي بها من قبل الطرفين، حيث نلحظ ان كثيرا من الازواج يجهل الالتزامات المتوجبة عليه، ويتصور ان له على زوجه حقوقا لم يفرضها الشارع المقدس، ونتيجة لهذا الجهل والتصورات غير الصحيحة، تحدث المشاكل والازمات العائلية.

فمثلا، يعتقد بعض الازواج بان الخدمة المنزلية حق على الزوجة،فيغضب اذا قصرت او تقاعست عن بعض الخدمات، كالطبخ والغسل،ورعاية شؤون الاطفال، وقد يتخذ اجراء لمحاسبتها ومعاقبتها، اعتقادامنه بانها اخلت بواجب عليها.

وقبل مدة من الزمن، تحدثت مع احد الاشخاص، عن ازمة بينه وبين زوجته، كادت تؤدي الى الفراق، لانها اشترت منزلا من اموالها الشخصية اثناء سفره من دون علمه، وكان يتصور انه لا يجوز لها ان تقوم بمثل هذه الخطوة من دون اذنه، والا فما هي قيمته، بوصفه زوجا، اذا؟ وحينمااخبرته ان لا حق ولا سلطة للزوج شرعا على تصرفات زوجته في اموالهاوشؤونها الشخصية، فوجى بهذا الكلام!

كما ان بعض الزوجات يرين ان على ازواجهن تلبية رغباتهن جميعها،وبخاصة في مجال التسوق ومتابعة «موضات» الازياء والكماليات، وامتناع الزوج عن ذلك يعدونه تقصيرا تجاه حقوقهن! واكثرهن يعدون تفكير الزوج في الاقتران بزوجة اخرى، واقدامه على ذلك، خيانة وذنبا لا يغتفر، ويصبح مسوغا للتمرد على حقوق الزوج، والتخلي عن كل التزام تجاهه.

واعرف عن احدى الزوجات انها تقدمت بدعوى للمحكمة الشرعية، لطلب الطلاق من زوجها، لانه تزوج بامراة اخرى، مع اقرارها في المحكمة بعدم وجود اي تقصير من زوجها تجاهها.

بل تطور الامر، عند احدى الزوجات، الى مراقبة اتصالات زوجها التليفونية، وتسجيل مكالماته، لضبطه متلبسا بالجريمة! ان هذه التصورات والممارسات، تكشف، في كثير من الاحيان، عدم المعرفة والوضوح في قضايا الحقوق الزوجية، بينما يريد الله تعالى بيانها وايضاحها للناس كما تشير الاية الكريمة: (وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون) [البقرة/230].

اجراءات الحماية

ان مجرد المعرفة والوعي بالحقوق، لا يمنع من تجاوزها والتعدي عليها، ذلك ان دوافع وعوامل مختلفة، قد تغري احد الزوجين بانتهاك حق من حقوق الطرف الاخر، وهنا لا بد من تشريع اجراءات لحماية هذه الحقوق. وهذا ما تكفلت به احكام النشوز المفصلة في الفقه الاسلامي.

والنشوز في اللغة: الارتفاع، يقال: «نشز من الارض» عن المكان المرتفع عما حوله.

وفي الاصطلاح الشرعي: مخالفة الزوج، او الزوجة، لما يقتضيه عقدالزوجية من الزامات، بحسب جعل الشارع. فالنشوز صفة تنطبق على كل واحد من الزوجين اذا لم يلتزم بحقوق الاخر عليه، مع التزام الاخربحقوق الناشز. فكما يتحقق النشوز من الزوجة، اذا لم تلتزم بحقوق الزوج عليها مع التزامه بحقوقها، كذلك يتحقق من الزوج، اذا لم يلتزم بحقوق زوجته عليه، مع التزامها بحقوقه عليها وقد استعمل القرآن الكريم لفظ النشوز وصفا لسلوك الزوجة مع زوجها، ولسلوك الزوج مع زوجته، قال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن)[النساء/34]. وقال تعالى: (واءن امراءة خافت من بعلها نشوزا) [النساء/128].

نشوز الزوجة

نشوز الزوجة يتحقق بخروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها، وذلك بعدم تمكينه مما يستحقه من الاستمتاع بها، وكذا بخروجها من بيتها من دون اذنه، ولا يتحقق بترك طاعته في ما ليس واجبا عليها 

قال ابن قدامة الحنبلي: «فان اظهرت النشوز، وهو ان تعصيه وتمتنع من فراشه، او تخرج من منزله بغير اذنه» .

فالنشوز، بالمعنى الشرعي، لا يحصل من الزوجة، الا اذا تمردت على الالتزام باحد هذين الحقين المطلوبين منها لزوجها، بمقتضى عقدالزوجية، وهما: الاستمتاع، واستئذانه في الخروج من البيت، امامخالفتها له في غير ما يرتبط بهما، لا يعد نشوزا، ولا تترتب عليه احكام النشوز.

قال الشهيد الثاني في المسالك: «ليس من النشوز، ولا من مقدماته، بذاءة اللسان والشتم، ولكنها تاثم به، وتستحق التاديب عليه، وهل يجوز للزوج تاديبها على ذلك ونحوه مما لا يتعلق بالاستمتاع، ام يرفع امره الى الحاكم؟ قولان تقدما في كتاب الامر بالمعروف، والاقوى: ان الزوج في ما وراء حق المساكنة والاستمتاع كالاجنبي، وان نغص ذلك عيشه وكدر الاستمتاع.. ولا اثر للامتناع من حوائجه التي لا تتعلق بالاستمتاع، اذ لا يجب عليها ذلك» 

وقال السيد الشيرازي: «والظاهر ان النشوز شرعا حسب الادلة، لا يتحقق بامتناع احدهما عن المستحب بالنسبة الى الاخر، وان كان ذلك موجبالعدم الملاءمة والموافقة، وسببا لتغير الحالة السابقة، فامتناع المراة ممالا يجب عليها، من الرضاع والطبخ والكنس والغسل وما اشبه، ليس بنشوز، وتحققه منها ليس شقاقا، وكذلك ليس من النشوز والشقاق السب، بل وحتى الضرب والتضارب وما اشبه، مما يعتاد عند بعض العوام».

دفاع الزوج عن حقوقه

حينما تمتنع الزوجة عن الاستجابة لرغبة زوجها في الاستمتاع من دون مسوغ، او تصر على الخروج من بيتها من دون رضاه لغير واجب، فان الشارع المقدس اتاح له استخدام بعض اساليب الدفاع عن حقوقه، لاعادة زوجته الى طريق الاستقامة، وتتدرج الاساليب المشروعة لردع الزوجة عن تمردها على النحو الاتي:

1 ـ الوعظ: قال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن)[النساء/34]. فاذا ظهرت مؤشرات على حالة التمرد، من قبل الزوجة،على حقوق الزوج، تنبغي المبادرة الى معالجة هذه الحالة، نفسيا وفكريا، بانفتاح الزوج على زوجته، وتلمس دوافعها الى هذه التصرفات،ومخاطبة وجدانها وعقلها، بان اضطراب علاقتها الزوجية، ليس في مصلحتها دنيا وآخرة، وتحذيرها من غضب الله تعالى، ومن تدمير مستقبلها العائلي. ومناقشة الافكار والتصورات والدوافع الباعثة على التمرد، واثبات خطئها وسوئها، بالاسلوب المقنع، والطريقة المؤثرة،وقد تستلزم الحالة تكرار الموعظة وتعدد اساليبها.
اما استخدام اسلوب الامر والنهي، ومقابلتها بالنهر والزجر، فهو لا يحقق المطلوب، وقد يؤدي الى نتيجة عكسية.

2 ـ الهجر في المضجع: اذا لم تجد الموعظة، ولم تنجح في تغيير موقف الزوجة، ينتقل الزوج لممارسة اسلوب آخر، يضغط به عليها، وهو اظهاراعراضه عنها، وعدم مبالاته بها، وذلك عن طريق هجرها في فراش النوم، يقول تعالى: (فعظوهن واهجروهن في المضاجع) [النساء/34]. بالانفراد عنها وقت النوم، او ان يدير ظهره لها اذا ناما في مكان واحد.

3 ـ هل يجوز ضرب الزوجة؟ حينما يخفق اسلوب الموعظة والنصيحة، ولا يجدي اسلوب الضغط النفسي بالهجر والاعراض، ومع بقاء الزوجة مصرة على تمردها، فهل يظل الزوج مكتوف اليدين ساكتاعلى تجاوز حقوقه؟ هل الحل هو انهاء علاقته الزوجية بها، وفي الطلاق ما فيه من مضاعفات على حياة الطرفين والاولاد؟ هل يرفع الامر الى الحاكم، وفي ذلك كشف لاسرار حياتهما الزوجية، وبخاصة مع تعذرالاثبات في القضايا الداخلية؟

يبقى هناك اسلوب يحتمل فيه التاثير، واعادة المراة الى رشدها، وهواستخدام شيء من الايذاء الجسدي بالضرب، والذي له انعكاس نفسي كبير، وقد يحقق المطلوب.

ان ضرب الزوجة وسيلة غير محببة، وهو اسلوب مهين، لذلك وردت نصوص كثيرة تحذر من استخدامه، فقد روي عن رسول الله(ص) انه قال:«اي رجل لطم امراته لطمة امر الله، عز وجل، مالكا خازن النيران فيلطمه على حر وجهه سبعين لطمة في نار جهنم» 

وعنه(ص): «اني اتعجب ممن يضرب امراته، وهو بالضرب اولى منها، لاتضربوا نساءكم بالخشب فان فيه القصاص» 

وعنه(ص): «ايضرب احدكم المراة ثم يظل معانقها»

لكن هذا الاسلوب البغيض، اذا اصبح وسيلة لتلافي ما هو ابغض منه،وكان بمثابة الكي، آخر الدواء، فان الاسلام اجاز للزوج استخدامه، ضمن حدود ضيقة.

قال الفقهاء: «… جاز له ضربها اذا كان يؤمل معه رجوعها الى الطاعة، وترك النشوز، ويقتصر منه على اقل مقدار يحتمل معه التاثير، فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض منه، والا تدرج الى الاقوى فالاقوى، مالم يكن مدميا ولا شديدا مؤثرا في اسوداد بدنها او احمراره، واللازم ان يكون ذلك بقصد الاصلاح، لا التشفي والانتقام، ولوحصل بالضرب جناية وجب الغرم»

اي انه اذا احدث بضربه اثرا في جسدها، ولو تغيرا .في لون جلدها، باحمرار او اسوداد، فعليه الدية المقررة في كتاب الديات. وهو راي الشيعة «والحنفية والشافعية. اما الحنابلة والمالكية فيرون انه لا ضمان عليه لان الضرب ماذون فيه شرعا» 

ان هناك من يستغلون هذا الراي الشرعي، بانتهاج اسلوب العنف الجسدي مع زوجاتهم، في غير محله، ويتجاوزون الحد المسموح به،وذلك عمل اجرامي محرم، وكل القوانين معرضة للاستغلال واساءة الاستخدام. ان الجواز حالة استثنائية عند تمرد الزوجة على الحقوق الزوجية، وعند اخفاق الوسائل الاخرى في المعالجة، وشريطة ان يكون الضرب بقصد الاصلاح لا التشفي والانتقام، وان لا يترك اثرا في الجسدمن ادماء او اسوداد واحمرار، ذلك كله مع احتمال تاثير الضرب في اصلاحها، ومع العلم بعدم التاثير لا يجوز.

وذكر ابن قدامة الحنبلي: «ولا يزيد في ضربها على عشرة اسواط لقول رسول الله(ص): «لا يجلد احد فوق عشرة اسواط الا في حد من حدودالله» (متفق عليه) 

4 ـ تجميد حقوقها: عند تحقق النشوز من الزوجة، بتمردها على حقوق زوجها، يكون من حق الزوج تجميد حقوقها، من النفقة، والعلاقة الجنسية، والمبيت، الى ان تعود الى جادة الالتزام بوظائف الزوجية، فتعود لها جميع حقوقها.

5 ـ الرجوع الى الحاكم الشرعي: وعندما لا يبقى مجال لاتخاذ اي اجراءآخر من قبل الزوج، غير الاجراءات السابقة، اي اذا اصرت الزوجة على نشوزها، رفع الامر الى الحاكم الشرعي، ليتصرف بما يراه مناسبا.

دفاع الزوجة عن حقوقها

يتحقق نشوز الزوج بتمرده على حقوق زوجته الواجبة عليه، من النفقة،والعلاقة الجنسية، والمبيت عندها في ليلتها، وحسن المعاملة، فاذا اخل باحد هذه الحقوق، فان امام الزوجة وسائل الدفاع الاتية:

1 ـ المطالبة بالحق: حيث لا يلزمها السكوت والاستسلام، بل لها ان تتمسك بحقها، وتطالبه بادائه.

2 ـ الوعظ والتحذير: بالتخاطب الوجداني مع الزوج، وتذكيره بحدود اللهتعالى، وتحمله للمسؤولية امامه، وانه تعالى يسخط للظلم، ويمقت الظالمين، وتحذره من مضاعفات اضطراب حياتهما الزوجية، وانعكاس ذلك على نفوسهما وعلى الاولاد.

3 ـ انتزاع حقوقها المالية: اذا امتنع الزوج عن بذل النفقة لزوجته، او قصرفي ذلك، ولم تجد معه المطالبة والوعظ، جاز لها ان تاخذ مقدار نفقتهامن امواله من دون اذنه، فقد جاءت هند بنت عتبة، ام معاوية، الى رسول الله(ص) فقالت: ان ابا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي الا ما اخذت منه، وهو لا يعلم، فقال(ص): «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» 

4 ـ تجميد بعض حقوقه: فحين يتوقف عن الانفاق عليها، وتضطرللعمل لتوفير نفقاتها، فانها اثناء عملها غير ملزمة بطاعته، والاستجابة له في ما يطلبه من حقوقه.

5 ـ تدخل الحاكم الشرعي: غالبا ما لا تستطيع الزوجة ان تفرض مطالبهاالمشروعة، ولا تقدر على ان تنتزع حقوقها بقدرتها الذاتية، وهنا عليها ان تعرف ان النظام الاسلامي، والحكم الشرعي، يقف الى جانبها، ويدافع عن حقوقها، ويلزم الزوج بوظائفه تجاهها.

فعند امتناع الزوج عن بذل النفقة اللازمة لها، يمكنها ان ترفع امرها الى الحاكم الشرعي، فيخيره بين الانفاق او الطلاق، فان رفض الامرين، انتزع الحاكم الشرعي نفقتها من ماله رغما عنه، فان لم يمكن ذلك، جازللحاكم ان يطلقها اذا ارادت الزوجة ذلك.

واذا هجرها زوجها، ولم يقم بواجب العلاقة الزوجية معها، ترفع امرهاالى الحاكم الشرعي، فيلزمه بالتراجع عن هجره لها او الطلاق، فاذا رفض الامرين، قام الحاكم الشرعي بتاديبه بما يراه مناسبا من سجن وغيره، واذالم ينفع ذلك، وارادت الزوجة الطلاق، طلقها الحاكم الشرعي.

واذا كان الزوج يؤذي زوجته ويشاكسها بغير وجه شرعي، جاز لها رفع امرها الى الحاكم الشرعي، ليمنعه من الايذاء والظلم، ويلزمه بمعاشرتها باحسان، فان امتنع منه، ولم يمكن اجباره عليه، طلقها الحاكم الشرعي

ولا يجوز للزوج ان يبتز زوجته، فيؤذيها، او يقصر في حقوقها،لتبذل له شيئا من اموالها، ليقوم بحقوقها، او ليطلقها، فذلك المال الذي ياخذه يكون من السحت الحرام.

التحكيم والاصلاح في الخلافات الزوجية

واقع الحياة الزوجية، استقرارا واضطرابا، لا تقتصر آثاره على حياة الزوجين، بل تنعكس نتائجه، سلبا وايجابا، على المجتمع كله. وتتضح هذه الحقيقة في النقاط الاتية:

1 ـ تؤثر طبيعة علاقة الانسان الزوجية على حالته النفسية والسلوكية، وبالتالي على مستوى انتاجيته وفاعليته، فاذا كان يعيش توافقا زوجيا،فسينعكس ذلك ايجابا على ادائه الاجتماعي، وفي الحياة العامة، واذاكان يعاني اضطرابا في علاقته الزوجية، فسيؤثر سلبا على انتاجيته وسلوكه.

2 ـ ويظهر الاثر الاكبر لحالة العلاقة الزوجية، على تنشئة الاولادوتربيتهم، ففي ظل الاستقرار العائلي، تتوافر لهم رعاية وتربية افضل، امامع اجواء الاضطراب والنزاع في العلاقة بين الوالدين، فسيكونون هم الضحايا، لما ينالهم من تمزق نفسي عاطفي، ولانشغال الابوين عنهما،وقد يصبحون ساحة لانتقام احد الزوجين من الاخر.
وتشير البيانات التي تتحدث عن جنوح الاحداث، الى ان النسبة الغالبة منهم تنتمي الى عوائل تعاني اضطرابات في علاقاتها الزوجية.
كما يلاحظ الموجهون التربويون، في مدارس التعليم، ان اغلب الطلاب الذين يعانون من تدني المستوى التعليمي والاخلاقي، هم من ابناءعوائل تفقد الانسجام الداخلي.

3 ـ كما تنعكس حالة العلاقات الزوجية على وحدة المجتمع وتماسكه، وعلى الامن الاجتماعي، لان اضطرابها تمتد آثاره الى مساحة واسعة من عوائل الزوجين، والمتعاطفين معهما، وقد تتصاعد الخلافات لتصل الى المحاكم والجهات الرسمية، او تتطور الى نزاعات حادة.

4 ـ وتشكل الخلافات العائلية ثغرة في امن المجتمع الاخلاقي، لان اضطراب العلاقات الزوجية، قد يدفع بعض الزوجات والازواج الى البحث عن علاقات عاطفية خارج الاطار الزوجي، فتحصل الخيانات الزوجية، والانحرافات السلوكية.
في مواجهة هذه الاخطار، لا بد من ان يتحمل المجتمع مسؤوليته في الوقاية منها، بتوفير اجواء الاستقرار العائلي، ومعالجة اسباب الاضطراب، وبالتصدي والمبادرة لحل الخلافات العائلية، فلا يصح السكوت والتفرج من قبل المجتمع، على حالات الخلاف والشقاق في الحياة الزوجية.

التحكيم العائلي

تحدث القرآن الكريم عن ضرورة المبادرة والتصدي لمعالجة اي خلاف زوجي، يهدد باضطراب العلاقة الزوجية، وطرح مشروعا للمعالجة والحل، يتمثل في اختيار حكم من عائلة الزوج، وآخر من عائلة الزوجة، ينتدبان لدراسة مشكلة الخلاف بينهما، ويقترحان ما يلزم للحل، وامرهما يكون نافذا على الزوجين. يقول تعالى: (وأن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها أن يريدا أصلاحا يوفق الله بينهما أن الله كان عليما خبيرا)[النساء/35].

واختيار الحكمين، من اهل الزوجين، يقصد منه الاستفادة من عاطفتهما، وحرصهما على مصلحة الزوجين القريبين منهما، كما ان اطلاعهما على اسرار حياة الزوجين، لا يشكل احراجا كبيرا، كاطلاع الاجانب ضمن المحاكم العامة، اضافة الى تجاوز هذا التحكيم العائلي قيود المحاكم العامة ونفقاتها.

لكن ذلك مشروط بان ياتي كل واحد من الحكمين بقصد الاصلاح، وعودة الانسجام والوئام بين الزوجين، لا بقصد الانتصار لطرف، اوالانتقام من الاخر. وهذا ما يؤكد عليه قوله تعالى: (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما).

من يبعث الحكمين؟ الاية الكريمة (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا….) توجه امرا بالمبادرة الى بعث حكمين للمعالجة والاصلاح. «فالظاهر وجوب هذا البعث وفاقالجماعة، لظاهر الامر، ولكون ذلك من الامر بالمعروف، ومن الحسب التي نصب الحاكم لامثالها» . وبه قال الشربيني الشافعي في «مغني المحتاج»، ونقله عن عدد من العلماء 

وذهب بعض الفقهاء الى انه مستحب، وان الامر في الاية «ارشاد الى طريق من طرق الاصلاح، فلا يستفاد منه الوجوب».

ويرى اكثر الفقهاء «ان المخاطب بالبعث – بعث الحكمين – الحكام المنصوبون لمثل ذلك»

ويبدو للمتامل، في الاية الكريمة، ان الراجح ما ذكره علماء آخرون، منهم السيد السبزواري، الذي قال ما نصه: «حيث ان الموضوع من الاصلاح والمعروف، وهو محبوب عند الشرع، بل عند جميع الناس، فالخطاب متوجه الى كل من يطلع على الموضوع، ويتمكن على رفع الشقاق بينهما، بقول حسن، وتدبير لطيف ونحوهما، مثل قوله تعالى: (فأصلحوا بين أخويكم) [الحجرات/10]، ولا يختص بخصوص الحاكم الشرعي، الا اذا كان تنازع وتخاصم بينهما، يحتاج الى فصله بحسب موازين القضاوة وان كان الاحوط تعيينه مطلقا» 

وليس هناك خلاف في جواز المبادرة واستحبابها من اجل اصلاح ذات البين، من قبل اي جهة، كان يبادر الزوجان او اهلوهما، او الحاكم، اوغيرهم «وبالجملة ينبغي ان لا يكون خلاف في جواز البعث من كل من هؤلاء، ووجوبه اذا توقف الاصلاح عليه، خصوصا الحاكم والزوجين»

فاذا بعث الزوجان حكمين، من قبلهما، يعدان وكيلين، فيمضي قرارهما في حدود الوكالة الممنوحة لكل منهما، لا اكثر، وليسا حكمين حينئذ، في راي اكثر الفقهاء.

ويرى السيد الشيرازي صحة كون من يبعثهما الزوجان حكمين، ايضا، قال ما نصه: «صحة جعل الزوجين الحكمين بعنوان الحكم، كما يصح ان يكون بعنوان الوكيل، او بالاختلاف، والفرق هو ان الحكمين يحكمان حسب ما يرياه صلاحا، بعد جعلهما اياهما حكمين، بينما الوكيل لايتمكن ان يعمل الا في دائرة الوكالة، وهذا هو الفارق بين الامرين»

اما اهل الزوجين فلو بعثا شخصين للتحكيم في الشقاق، فيحتاج الامرالى اجازة الزوجين، ليكونا وكيلين عنهما، فيمضي رايهما ضمن حدود الوكالة، او على اساس انهما حكمان كما هو راي السيد الشيرازي، اوباجازة الحاكم الشرعي، فيكونان حكمين ينفذ قرارهما. ولو بعث اهل الزوجين حكمين من دون اجازة الزوجين او الحاكم، فلا اعتبار لذلك، الافي حدود الوساطة لاصلاح ذات البين.

وللحاكم الشرعي صلاحية بعث الحكمين حتى من دون رضا الزوجين، وبخاصة اذا رفعت خصومتهما اليه.

ولو لم يكن حاكم شرعي، او لم يمكن الوصول اليه، قام عدول المؤمنين بهذه المسؤولية، فتبعث الجهة المتصدية منهم الحكمين ويكون امرهمانافذا.

صفات الحكمين

لكي ينجح الحكمان، في مهمتهما الاصلاحية، ولتكون قراراتهما معتمدة من قبل الشارع، لا بد من توافر الصفات المساعدة على ذلك، وقد تحدث الفقهاء عن تلك الشرائط على النحو الاتي:

1 ـ القرابة من الزوجين: حيث نصت الاية الكريمة على ان يكون الحكمان من اهل الزوجين (فابعثوا حكما من اءهله وحكما من أهلها)، لان ذلك في الغالب انجح لمهمة الاصلاح، واذا كان الاجنبي اقدر على التاثير، فلا مانع من اختياره، وكذلك لو لم يكن لهما اهل، او لم يكن من اهلهما من يصلح للقيام بهذا الدور، فيمكن اختيار اي عنصرين صالحين.

2 ـ البلوغ.

3 ـ العقل.

4 ـ الصلاحية: بمعنى قدرتهما على القيام بهذا الدور، بمعرفة الاحكام المتعلقة بالحقوق الزوجية، وامتلاك الخبرة الاجتماعية. ويمكن ان يتعدد الحكم عن كل طرف، بان يكون شخصين او اكثر من جهة الزوجة،وكذلك من قبل الزوج.

5 ـ العدالة: وهي شرط عند فقهاء السنة، اما فقهاء الشيعة فلم يشترطوا ذلك.

6 ـ الاسلام: وهو شرط اذا كان الزوجان مسلمين.

7 ـ الذكورة: وقد اشترطها بعض الفقهاء، وسكت عن ذلك اكثرهم، وصرح بعض الفقهاء بعدم اشتراطها. قال السيد السبزواري: «الظاهر عدم اعتبار الرجولية فيهما بعد كون المراة قابلة لذلك»

مهمة الحكمين

الهدف الاساس للتحكيم هو اصلاح العلاقات الزوجية، التي اصابها النزاع والشقاق، وارجاعها الى حالة الوفاق والوئام. ولانجاز هذه المهمة، على كل من الحكمين ان يتحدث مع من يمثله بصراحة وانفتاح، ليعرف واقع حالته، وما يشكو منه، وما يطلبه، ويتحاور معه في الموضوع، للوصول الى نتيجة للمعالجة.

ثم يلتقي الحكمان ويتدارسان الامر بصراحة ووضوح، لا يخفي احدهماعلى الاخر شيئا مما له ارتباط بمعالجة الموضوع. ويتفقان على راي واحد للحل، ورايهما ملزم للطرفين، «فكل ما استقر عليه رايهما وحكمابه نفذ على الزوجين، ويلزم عليهما الرضا به، بشرط كونه سائغا، كما لوشرطا على الزوج ان يسكن الزوجة في البلد الفلاني، او في مسكن خصوصي، او عند ابويها، او لا يسكن معها في الدار امه او اخته، ولو في بيت منفرد، او لا تسكن معها ضرتها في دار واحدة، ونحو ذلك. او شرطا عليها ان تؤجله بالمهر الحال الى اجل، او ترد عليه ما قبضته قرضا، ونحوذلك. بخلاف ما اذا كان غير سائغ، كما اذا شرطا عليه ترك بعض حقوق الضرة، من قسم او نفقة او غيرهما»

اما لو راى الحكمان ان الحل هو الطلاق والفراق، فهل يمضي قرارهما؟

فقهاء الشيعة يحصرون نفاذ امر الحكمين في ما يتعلق بالاصلاح والجمع، اما التفريق فلا يمضي امرهما فيه، الا اذا كانا وكيلين عن الزوجين في ذلك…، اما اذا كان التفريق يتضمن بذلا وفدية من الزوجة،فيحتاج الامر مراجعتها وموافقتها.

ويوافق الشيعة على ذلك ابو حنيفة والشافعي، واحدى الروايتين عن احمد بن حنبل.

وعند المالكية ينفذ امرهما في الاصلاح والتفريق.

تعدد الزوجات

الحالة الطبيعية ان يتزوج الرجل امراة واحدة، تتمركز مشاعر الحب والمودة بينهما، ويسيطر كل منهما على قلب الاخر، من دون اي منافس، ويشتركان في بناء حياة عائلية سعيدة، تنتج للمجتمع ابناء وافرادا صالحين.

لكنه شاع، في المجتمعات البشرية، ومن قديم التاريخ، نظام تعدد الزوجات لدى قسم من الرجال في المجتمع، ولم يكن ذلك حالة عامة، في اي مجتمع من المجتمعات، بحيث يتزوج كل رجل اكثر من زوجة، وانما كان يحصل ان يتزوج بعض من الرجال عددا من النساء، وغالبا ماكان اولئك الرجال الذين تتعدد زوجاتهم من طبقة الحاكمين، او الاثرياء والنافذين.

ومن اشهر الشعوب التي اخذت بنظام تعدد الزوجات، في العصورالقديمة: العبريون، والعرب في الجاهلية، والصقالبة، وبعض الشعوب السكسونية، وكان معمولا به لدى اليهود، والايرانيين في عهد الساسانيين، ولدى شعوب اخرى، وقد اباحت اليهودية تعدد الزوجات، ولم يرد في المسيحية نص يمنعه.

ولم يكن لتعدد الزوجات حد في بعض المجتمعات، كعرب الجاهلية، فقد ورد ان غيلان بن سلمة اسلم على عشر نسوة، فقال له النبي(ص): «امسك اربعا وفارق سائرهن»

وروى ابو داود وابن ماجة، عن قيس بن الحارث، قال: اسلمت، وعندي ثمان نسوة، فاتيت النبي(ص) فذكرت ذلك له، فقال: اختر منهن اربعا.

وروى الشافعي عن نوفل بن معاوية: انه اسلم وتحته خمس نسوة، فقال له النبي(ص): امسك اربعا وفارق الاخرى. وذكر «كريستينسن» في كتاب «ايران في زمان الساسانيين»: ان مبدا تعدد الزوجات يعد الاساس في تشكيل العائلة، وكان للرجل ان يتزوج من النساء ما وسعه

تحليل اجتماعي

تحدث العالم المؤرخ «ول ديورانت»، في موسوعته: قصة الحضارة، عن نظام تعدد الزوجات في التاريخ البشري، وعن المسوغات التي انتجته في المجتمعات الانسانية، ونقتطف من تحليله الفقرات الاتية:

لقد ظن رجال الدين (المسيحي)، في العصور الوسطى، ان تعددالزوجات للزوج الواحد، نظام ابتكره محمد ابتكارا لم يسبق اليه، لكنه في الواقع نظام سابق للاسلام باعوام طوال، لانه النظام الذي ساد العالم البدائي، وهنالك من اسباب كثيرة عملت على تعميم هذا النظام ونشره.

ان حياة الرجال، في المجتمع الاول، كانت اشد عنفا، واكثر تعرضاللخطر، بسبب اضطلاعهم بالصيد والقتال، ولذا زاد الموت في الرجال عليه في النساء، واطراد الزيادة في عدد النساء يضع امام المراة اختيارابين حالتين: فاما تعدد الزوجات للرجل الواحد، واما عزوبة عقيمة ليس عنها محيص لبعض النساء.

كذلك يحب الرجال ان تكون عشيراتهم في سن الشباب، والنساء يكتهلن بسرعة في المجتمعات البدائية، بل ان النساء انفسهن كن احيانايحبذن تعدد الزوجات، حتى يباعدن بين فترات الولادة، من دون ان ينقصن عند الرجل شهوته وحبه للنسل، واحيانا ترى الزوجة الاولى، وقد ابهضها عبء العمل، تشجع زوجها على الزواج من امراة ثانية، حتى تقاسمها مشقة العمل، وتنسل للاسرة اطفالا يزيدون من انتاجها وثرائها.

ولا شك في ان تعدد الزوجات، لاءم حاجة المجتمع البدائي في ذلك الزمن اتم ملاءمة، لان النساء فيه يزدن عددا على الرجال، وقد كان لتعددالزوجات فضل في تحسين النسل، اعظم من فضل الزواج من واحدة، الذي ناخذ به اليوم، لانه بينما ترى اقدر الرجال واحكمهم في العصر الحديث، هم الذين يتاخر بهم الزواج عن سواهم، وهم الذين لا ينسلون الا اقل عدد من الابناء، ترى العكس في ظل تعدد الزوجات، الذي يتيح لاقدر الرجال ان يظفروا – على الارجح – بخير النساء، ان ينسلوا اكثرالابناء، ولهذا استطاع تعدد الزوجات ان يطول بقاؤه بين الشعوب الفطرية جميعها تقريبا، بل بين معظم جماعات الانسان المتحضر، ولم يبدا في الزوال في بلاد الشرق الا في عصرنا الحاضر، لانه قد تضافرت على زواله بعض العوامل.

وفي هذه الحالة، اصبح تعدد الزوجات المكشوف، حتى في الجماعات البدائية، ميزة تتمتع بها الاقلية الغنية وحدها، اما سواد الناس فلايجاوزون الزوجة الواحدة، ثم يخففون وطاة ذلك على نفوسهم بالزنا،بينما ترى اقلية اخرى آثرت العزوبة راضية او كارهة

مسوغات تعدد الزوجات

وما اشار اليه هذا العالم المؤرخ، من مسوغات لتعدد الزوجات، في المجتمعات الانسانية، هو مسوغات حقيقية، ويمكننا توضيحها اكثرعبر النقاط الاتية:

1 ـ عادة ما يكون عدد الاناث اكثر من عدد الذكور، وليس ذلك لسبب زيادة مواليد الفتيات على الفتيان دائما، وانما ايضا لتعرض الذكورللاخطار واسباب الموت اكثر، كالحروب وحوادث العمل. ويذكر الفيلسوف البريطاني «برتراند رسل»، في كتاب «الزواج والاخلاق»انه: يوجد الان – وقت كتابة الكتاب في انكلترا اكثر من مليوني امراة زائدة على عدد الرجال، وهؤلاء النسوة، طبقا للعرف السائد، يجب ان يعشن الى آخر العمر عقيمات في الواقع، وهذا يشكل حرمانا عظيمالهن، ان نظام الزوجة الواحدة مبني على افتراض تساوي عدد النساء والرجال في البلد، فحين ينعدم التساوي، يقع ظلم عظيم على اولئك الذين يجب ان يعيشوا حالة العزوبة، طبقا لهذا القانون الرياضي

وفي اعقاب الحرب العالمية الثانية، كتبت الصحف الالمانية عن حرمان عدد كبير من النساء من الحصول على زوج وبيت عائلي، وحصلت حركة ضغط من النساء على الحكومة الالمانية، لالغاء قانون الزوجة الواحدة،واقرار تعدد الزوجات، لكن الكنيسة عارضت ذلك

2 ـ والمراة اسرع بلوغا وتهيؤا للزواج من الرجل، فالفتيات اللاتي يولدن مع الفتيان في سنة واحدة، يتهيان للزواج بيولوجيا وسيكيلوجيا قبلهم ببضع سنوات، كما هو معروف. وفي الوقت نفسه فان الاستعداد الجنسي اسرع نضوبا وخفوتا عند المراة، حيث تتلاشى قدرتها على الانجاب، ولياقتها الجسمية قبل الرجل. لذلك اصبح مالوفا ان يتزوج الرجل من امراة تصغره بعدة سنوات.

3 ـ وتمر بالمراة اوقات تعاني فيها من المعوقات الجنسية، كايام العادة الشهرية، وبعض ايام الحمل، بينما لا يعاني الرجل من مثل ذلك.

4 ـ وهناك نساء يفقدن ازواجهن لبعض الاسباب، من وفاة او طلاق، فلايتيسر لهن جلب اهتمام الرجال ليتخذوهن زوجات اول، وقد تكون المراة مصابة بالعقم، او اي مرض آخر، ففي ظل نظام الزوجة الواحدة فقط، تصعب معالجة مثل هذه الحالات.

هذه الاسباب جميعها تنتج حالات العنوسة والحرمان من الزواج، لعددمن النساء، كما قد تدفع الرجال للعلاقات الجنسية غير المشروعة، وهوما تعاني منه المجتمعات الغربية الان، وبشكل مبتذل فاضح.

من اجل ذلك، امضى الاسلام ما كان معمولا به من تعدد الزوجات، ولكن ضمن حدود وضوابط.

حدود التعدد

اتفقت كلمة فقهاء المسلمين على انه لا يجوز للرجل ان يتزوج اكثر من اربع زوجات بالنكاح الدائم، في وقت واحد، حتى لو طلق واحدة منهن،لم يجز له ان يتزوج الخامسة، حتى تخرج زوجته المطلقة من عدتها، اذاكان الطلاق رجعيا، اي يصح له الرجوع فيه.

اما اذا كان الطلاق بائنا، فالمشهور عند فقهاء الشيعة: انه يجوز له الزواج من اخرى قبل انتهاء عدتها، وهو راي السيد الشيرازي من المعاصرين.كما افتى بذلك المالكية والشافعية  واحتاط بعض الفقهاء الشيعة بوجوب الانتظار الى انتهاء عدة البائنة، كما هو راي السيد السيستاني من المعاصرين. وهو راي الحنفية ايضا، حيث يرون وجوب الانتظار حتى في الطلاق البائن 

اما اذا كانت العدة لفسخ الزواج فلا يجب الانتظار باتفاق الفقهاء.

واذا ماتت الزوجة الرابعة فهل يجب عليه الانتظار، او يجوز له الزواج من اخرى فورا؟ المشهور عند فقهاء الشيعة عدم وجوب الانتظار، وهو راي فقهاء السنة ايضا. لكن بعض فقهاء الشيعة اوجب الصبر احتياطا مدة عدة الوفاة اربعة اشهر وعشرة ايام. وهو راي السيد السيستاني.

وتحديد تعدد الزوجات باربع لقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) [النساء/3]. اضافة الى العديد من الاحاديث الصريحة بهذا التحديد. والواو في قوله تعالى: (مثنى وثلاث ورباع) للتخيير، يعني: اما اثنتان، او ثلاث، او اربع، وهذا باتفاق المسلمين. ونسب الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه: «الفقه الاسلامي وادلته» الى الشيعة: انهم يجوزون الزواج بتسع نساء، على اساس انهم يعتبرون الواو هنا للجمع مثنى وثلاث ورباع، فالمجموع تسعة ولم يذكر مصدرا لهذا الادعاء.

وهذا القول افتراء على الشيعة، حيث لم يرد لا في كتب تفاسيرهم، ولافي كتب فقههم، وهو انموذج للنقل عن الشيعة من مصادر مخالفيهم ومناوئيهم، لرسم صورة مشوهة عنهم، بعيدة عن الموضوعية والواقع.

والتحديد باربع خاص بالزواج الدائم، اما الزواج المؤقت الذي يرى الشيعة استمرار جوازه، فانه غير مشمول بهذا التحديد.

لزوم العدل بين الزوجات

يجوز للرجل ان يتزوج غير زوجة، اذا كان يجد نفسه قادرا على التعامل مع زوجاته بعدالة، بان لا يجور على حقوق واحدة لصالح الاخرى، في النفقة او في المبيت، حيث يجب عليه ان يتحمل نفقات زوجاته، فلايصح له ان يجحف باحتياجات واحدة منهن، ونفقة كل واحدة بحسب وضعها وشانها، فليس المقصود بالعدالة المساواة، وانما توفيرالمستلزمات، فلو كانت حياة احداهن تتطلب نفقة اكثر من الاخرى،وجب عليه ذلك، مع توفير حاجة الاخرى ضمن احتياجها.

وبالنسبة للمبيت، فان عليه ان يعدل في القسمة بين زوجاته، وحق الزوجة ان يبيت عندها زوجها ليلة من كل اربع ليال، ولا يجوز لمن يعرف من نفسه عدم القدرة على العدل ان يتزوج اكثر من واحدة، لقوله تعالى: (فاءن خفتم اءلا تعدلوا فواحدة)[النساء/3].

اشتراط عدم التعدد

اذا اشترطت الزوجة على الزوج، في عقد النكاح او في غيره، ان لا يتزوج عليها صح الشرط، ويلزم عليه ان لا يتزوج، واذا تزوج عليها يكون آثما مذنبا لكن زواجه صحيح 

الموقف من تعدد الزوجات

من الناحية الشرعية، فان الاسلام قد اجاز تعدد الزوجات ضمن الحدودوالضوابط المقررة، ولا يستطيع مسلم ان يعترض على تشريعات الاسلام، وما دامت المسالة في اطار الجواز والاباحة، فالامر متروك لوضع كل انسان وظروفه، وللاعراف والاعتبارات السائدة في المجتمع.

ومن الواضح ان ظروف الحياة، اليوم، اصبحت اكثر تعقيدا من السابق، فاخذ زوجة اخرى، يعني ادارة اسرة اخرى، تستلزم نفقات مادية، وجهودا في الرعاية والتربية، فمن كان قادرا على ذلك، ومطمئنا الى تطبيق العدالة المطلوبة شرعا، فليس من الصحيح تعويق رغبته وارادته في تعدد الزوجات.

ان هناك اشخاصا في المجتمع تستدعي ظروفهم الشخصية والعائلية اتخاذ زوجة اخرى، لكن تحسس الزوجة الاولى بشكل مبالغ فيه، قديجعل الرجل امام احد خيارين كلاهما صعب: اما ان يكبت رغبته،ويتجاهل حاجته، وقد يلجا الى طريق الحرام. او يغامر بخراب بيته العائلي وهدمه.

من ناحية اخرى، فان عدد النساء العوانس في تصاعد وتزايد، وتعددالزوجات هو الذي يفسح امامهن امل الحياة الطبيعية، ويتيح لهن فرصة السعادة الزوجية، وممارسة دور الامومة.

واشارت احصائيات لوزارة التخطيط، في المملكة العربية السعودية: ان عدد الفتيات اللاتي لم يتزوجن، وتجاوزن سن الزواج اجتماعيا (30عاما) بلغ حتى نهاية 1999م حوالى مليون و925 الفا و814 فتاة. واوضحت الاحصائية: ان عدد المتزوجات في السعودية بلغ مليونين و836 الفا و475 امراة

وذكرت احصائية سابقة ان عدد العوانس في الكويت بلغ 40 الف عانس

ويجب ان نعترف بان جزءا من المشكلة يكمن في النماذج والتجارب السيئة، التي قد تحصل من قبل من يتزوجون زوجة اخرى، ثم لايمارسون العدالة، بل يهملون الزوجة الاولى، ويجحفون بحقوقها، وتتضاءل حتى رعايتهم لابنائهم منها واهتمامهم بهم منها.

واذا كان مفهوما وجود مسوغات للميل العاطفي نحو الزوجة الجديدة،عبرت عنه الاية الكريمة (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) [النساء/129]، حيث تعني استحالة العدالة في الميل النفسي والعاطفي، ولكنه ليس منطقيا ان لا يعدل الانسان في الجانب الممكن، وهو العدالة في النفقة والرعاية، واداء الحقوق الشرعية.

يقول تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)[النساء/3].

ورد عن الامام محمد الباقر(ع) عن جده رسول الله(ص) انه قال: «من كانت له امراتان فلم يعدل بينهما، في القسم من نفسه وماله، جاء يوم القيامة مغلولا مائلا شقه حتى يدخل النار».

وورد مثله عن ابي هريرة عن رسول الله(ص) اخرجه الترمذي والحاكم.


الشيخ حسن الصفار

المصدر: مجلة المنهاج العدد (33)

Loading