الغِيبة

الغِيبة هي أن تذكر أخاك بما يكره، وهي من الرذائل الأخلاقية، التي مثَّل لها في القرآن بكونها أكل لحم الإنسان الميت، وقد نهى عنها الإسلام، وجاءت الروايات تبين قبحها ومساوئها، ونتائجها السلبية على المستويين الفردي والاجتماعي، وأجمع الفقهاء على حرمتها وحرمة الاستماع لها، وكذلك بيّن علماء الأخلاق وجوهها ومصاديقها.

معنى الغيبة

المعنى اللغوي

الغِيبة وجذرها اللّغوي غَيَبَ الغين والياء والباء أصل صحيح، يدل على تستر الشيء عن العيون، ومنه اُشتُقت الغيبة، التي هي اسم مصدر على وزن فِعْلَة، وهي الوقيعة في النَّاس، لأنّها لا تُقَال إلاّ في غَيْبَة.[١]

المعنى الاصطلاحي

قال الجُرجاني في تعريفاته:

الغِيبَة: بكسر الغين أن تذكر أخاك بما يكره، فإن كان فيه فَقَد اغتَبْته، وإن لم يكن فيه فقد بَهَتّ، أي قلت عليه ما لم يفعله، والغَيَبة: [بفتح الغين][٢] ذكر مساوئ الإنسان في غيبته وهي فيه، وإن لم تكن فيه فهي بُهتان، وإن واجهه بها فهو شَتم.[٣]
وقد عرّفها صاحب السعادات: بأنها ذكر الغير بما يكرهه لو بلغه، سواء كان ذلك بنقص في بدنه أو في أخلاقه أو في أقواله، أو في أفعاله المتعلقة بدينه أو دنياه، بل وإن كان بنقص في ثوبه أو داره أو دابته.[٤]

الغيبة في القرآن

جاء النهي عن الغِيبة في القرآن الكريم بشكل صريح، بل شبه المولى تعالى الغِيبة بأقبح ما يَنْفُر منه الطبع البشري، فقال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ.[٥]

الغيبة في الروايات

تعتبر الغيبة من أكثر الآفات الأخلاقية التي وردت الأحاديث الشريفة في ذمها وتبيان عظم قبحها، وتوضيح الأمور التي تعتبر من مصاديق الغيبة، فقد جاء عن أمير المؤمنين (ع): «من الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه».[٦]

ومما ورد في الأحاديث المروية عن النبي الأكرمصلی الله عليه وآله وسلم في تبيان عظم رذيلة الغيبة أنّه قال: «الغيبة أشدُّ من الزنا، قيل: وكيف؟ قال: الرجل يزني ثمَّ يتوب فيتوب الله عليه، وإنّ صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه».[٧]

وجاء عنهصلی الله عليه وآله وسلم أيضاً: «من اغتاب مسلماً أو مسلمةً لم يقبل الله صلاته ولا صيامه أربعين يوماً وليلةً إلّا أن يغفر له صاحبه».[٨]

ومما ورد أيضاً عن الإمام علي(ع): في الغيبة: «الغيبة قوت كلاب النار»[٩] وقوله: «أبغض الخلائق إلى الله المغتاب».[١٠]

حكم الغيبة

هناك إجماع بين الفقهاء على حرمة الغيبة، لكونها من الكبائر.[١١]

استماع الغيبة

حكم الاستماع للغيبة والجلوس في مجالسها بالإضافة لكونها حراماً، فقد اعتبرته الروايات بمنزلة الغيبة نفسها، وذنوبها المترتب عليها من الذنوب الكبيرة،[١٢] حيث ورد عن الإمام علي(ع): «السامع للغيبة أحد المغتابين».[١٣]

حكم المتجاهر بالفسق

اتفق الفقهاء على جواز غيبة المتجاهر بالفسق ويرون أنّها من مستثنيات الغيبة، ويصرّحون بأنّ غيبة مثل هؤلاء الأشخاص الذين مزقوا أستار الحياء وجاهروا بالمعاصي أمام الناس، لا غيبة لهم. متمسكين في ذلك بروايات منها:

متى تطلق الغيبة

ذِكر عيوب الناس تتنطلق من ثلاثة وجوه، وليست كلها غيبة:

  1. الوجه الأول: الغيبة الخاصة كأن يذكر المستغيب شخص بعينه معروف، لدى الطرف الآخر، فهنا تتحق الغيبة إذا كانت تشتمل على شروط الغيبة.
  2. الوجه الثاني: إذا كانت الغيبة متوجهة لشخص أو أشخاص معدودين لا يعرفهم المخاطب، كأن يقول إنّ في المدينة الفلانية عدة أشخاص يرتكبون الأعمال المنافية للعفة، فلا تجري أحكام الغيبة.
  3. الوجه الثالث: أن يكون المورد من قبيل الشبهة، كأن يقول: أنني رأيت أحد هؤلاء الأربعة يشرب الخمر ويذكر أسمائهم، أو يقول أن جماعة كثيرة من أهالي القرية الفلانية يرتكبون هذا العمل بحيث تتوجه التهمة إلى الجميع من موقع الشك فيهم.[١٦]

دوافع الغيبة

ورد عن الإمام الصادق (ع) حديثاً بيّن فيه دوافع الغيبة، حيث قال:

«أصل الغيبة تتنوع بعشرة أنواع، شفاء غيظ، ومساعدة قوم وتهمة، وتصديق خبر بلا كشفه، وسوء ظن وحسد وسخرية وتعجب وتبرّم وتزّين، فإن أردت السلامة فاذكر السلامة فاذكر الخالق لا المخلوق، فيصير مكان الغيبة عبرة ومكان الإثم ثواباً».[١٧]

ويرى الشيخ مكارم الشيرازي، أن دوافع الغيبة كثيرة ومتعددة، مستمداً بعضها من رواية الإمام الصادق(ع)، منها:

  1. الحسد
  2. الأنانية والعجب ورؤية الذات.
  3. الغرور والكبر
  4. الحرص
  5. الحقد
  6. حب الجاه.
  7. حب الدنيا والثروة والمقام.
  8. الرياء.
  9. تزكية النفس وإظهار الطهارة والتقوى.
  10. طلب الترفيه عن النفس بأمور غير شرعية.
  11. سوء الظن.
  12. حب الانتقام.
  13. التشفي وإطفاء ثورة الغضب.
  14. السخرية والاستهزاء.[١٨]

آثار الغيبة

ذُكر في كتب الأخلاق أنّ للغيبة نتائج سلبية، تنعكس على الفرد والمجتمع، وقد أشارت لذلك الروايات الواردة على النّبيّ الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم و أهل بيته عليه السلام، منها:

على المستوى الفردي

  • أنّها تمحي الحسنات: حيث روي عن النبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم: «إنّ الرجلَ لَيُؤتى كتابَه مَنشوراً فيقول: ياربِّ، فأينَ حَسَنات كذا وكذا عَمِلتُها لَيست في صفيحتي؟ فيقول: مُحِيَت باغتيابك الناسَ».[١٩]
  • أنّها تسبب في فضيحة الإنسان، فقد ورد في الحديث النبوي:«يامعشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنّه من تتبع هورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورتع يفضحه في جوف بيته».[٢٠]

على المستوى الاجتماعي

  • أنّها تعتبر أحد الأسباب لإشاعة الفحشاء والمنكر ، لأن الذنوب المستورة إذا ظهرت بسبب الغيبة فإن ذلك سيؤدي إلى تشجيع الآخرين على ارتكابها، حيث ورد عن الإمام الصادق(ع): «من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه فهو من الذين قال الله عز وجل: ﴿إنّ الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم».[٢١]
  • أنّها تورث الحقد والعداوة والبغضاء بين الناس لأن أهمّ رأسمال للإنسان في المجتمع هو حيثيته وشخصيته الاجتماعية، والغيبة بإمكانها أن تذيب وتحرق رأس المال هذا فلا يبقى للإنسان شيئا يعتد به في حركة الحياة الاجتماعية.
  • أنّ من شأنها أن تسقط المستغيب في أنظار الآخرين، لأنهم سوف يتصورون أن هذا الشخص الذي يتحدث لهم عن عيوب الآخرين سوف يتحدث عن عيوبهم أيضا للآخرين ويغتابهم، ولذلك ورد في الرواية عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال«من نقل إليك، نقل عنك».[٢٢]

موارد جواز الغيبة

اتفق علماء الأخلاق وكذلك الفقهاء أن هناك موارد تجوز فيها الغيبة، ومن جملتها:

  • أن يكون الإنسان في حالة التظلم وطلب حقّه من الآخر ويسعى لرفع هذه الظلامة بحيث لو أنّه لم يتعرض لذكر الطرف الآخر بالسوء ولم يصرّح للآخرين بسلوك ذلك الظالم، فإنّه لا يصل إليه حقّه.
  • في موارد النهي عن المنكر، أي في حالة ما إذا لم يتحرك الإنسان لفضح الطرف الآخر ويكشف عن أعماله السيئة، فإن ذلك المذنب سوغ يستمر في غيّه، فهنا ترجح مصلحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مفسدة الغيبة.
  • في مورد أهل البدع وكذلك الذين يحيكون المؤامرات ضد المسلمين، بحيث لو أنّ أعمالهم الخفيّة تجلّت وكشفت للمسلمين، فإنّ الناس سوف يتصدون لهم ويتحركون من موقع دفعهم وإبطال مؤامراتهم، وهنا تكون غيبة هؤلاء واجبة.
  • في مورد ما إذا كان المسلم يعيش الخطر على نفسه أو ماله أو عرضه من شخص آخر وهذا المسلم لم يكن على علم بالخطر المحيط به، هنا يكون إخباره بهذا الخطر جائز، بل واجبا أحيانا.
  • في مورد المشورة، بمعنى أنّ أحد الأشخاص أراد الزواج من مسلمة وأراد طلب يدها من والدها، أو أراد شخص تشكيل شركة أو السفر إلى أحد البلدان، وطلب شخص آخر أن يشير عليه بما يراه صالحاً له، فهنا لا يمكن القول بأن الكشف عن عيوب الطرف الآخر حرام، بل إنّ أمانة المشورة تقتضي أن يقول المستشار ما يعلمه وما هو مطلع عليه من نقاط القوة والضعف، ولا ينبغي أن يحجم عن النصح والمشورة لأخيه المؤمن خوفاً من الوقوع في الغيبة.
  • في مورد الشهادة، وذلك عندما يطلب من الإنسان أن يدلي بشهادته في موقع التحكيم أو المحكمة.[٢٣]

الهوامش

    1. ابن فارس، مقاييس اللغة، ج 4، ص 403.
    2. اضافة توضيحية
    3. الجرجاني، معجم التعريفات، ص 137.
    4. النراقي، جامع السعادات، ج 2، ص 91.
    5. الحجرات: 12.
    6. المجلسي، بحار الأنوار، ج 75، ص 178.
    7. الريشهري، ميزان الحكمة، ج 7، ص 3088، ح 15479.
    8. المصدر السابق، ج 7، ص 3091، ح 15496.
    9. غرر الحكم، ص221، ح4424.
    10. المصدر السابق، ح 4428.
    11. الخميني، الأربعون حديثاً، ص 350؛ الشهيد الثاني، كشف الربية، ص 50.
    12. دستغيب، الذنوب الكبيرة، ج 2، ص 275.
    13. المجلسي، بحار الأنوار، ج 72، ص 226.
    14. الريشهري، ميزان الحكمة، ج 7، ص 3094، ح 15514.
    15. المجلسي، بحار الأنوار، ج 72، ص 260.
    16. راجع الشيرازي، الأخلاق في القرآن، ج 3، ص 105 – 106.
    17. النوري، المستدرك، ج 9، ص 118.
    18. الشيرازي، الأخلاق في القرآن، ج 3، ص 86.
    19. الريشهري، ميزان الحكمة، ج 7، ص 3091.
    20. الكاشاني، المحجة البيضاء، ج 5، ص 252.
    21. الكليني، أصول الكافي، ج 2، ص 366، ح 2747.
    22. غرر الحكم، ص 221، ح 4432.
    23. الشيرازي، الأخلاق في القرآن، ج 3، ص 99-100.

المصدر ويكي شيعة

Loading