قضاء حوائج المؤمنين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين …..
لقد رزقنا الله بشريعة سمحاء ونبي كريم قد سمى وتعالى في خلقه فوصل الى مرتبة لم يصل إليها شخص غيره ، وقد مدحه الله تعالى في كتابه بقوله : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [1]، فالأخلاق من شأنها ان تسمو بالإنسان وان تنزله الى أسفل سافلين ،روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال : ما يقدم المؤمن على الله تعالى بعمل بعد الفرائض ، أحب إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخلقه [2].
ومن هذه الأخلاق المهمة في مجتمعاتنا والتي يجب ان يمتثل ويتخلق بها أتباع اهل البيت عليهم السلام هي قضاء حوائج المؤمنين ،فلأن الإنسان غير كامل فيحتاج في حياته ومعيشته الى الآخرين وقد تجبره الظروف الى ان يستعين بالناس في حاجته فيذهب المريض الى الطبيب ، ويذهب الطالب الى المعلم وهكذا ،، ولأن مساعدة الغير في حاجاتهم من السمات العالية والصفات الجليلة وردت روايات كثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام) في قضاء الحوائج فجعل هذه المسألة امتثالا لأمر من أوامر الله تبارك وتعالى بل في بعض الأحيان تكون أهمية قضاء حوائج المؤمنين بمكان حتى تقدم على الواجب[3].
روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) انه قال : (أحرصوا على قضاء حوائج المؤمنين ، وإدخال السرور عليهم ، ودفع المكروه عنهم ، فإنه ليس شئ من الأعمال عند الله عز وجل بعد الفرائض ، أفضل من إدخال السرور على المؤمن)[4].
وكذلك جعل الله تبارك وتعالى قضاء حوائج المؤمنين كفارة للعمل عند السلاطين (أي بما أن هذا العمل هو في حد ذاته مكروها ، فالذي يضطر الى عمله ويتخلص من الكراهة ان يقضي حوائج المؤمنين) قال الإمام الصادق (عليه السلام) : كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان[5].
وفي رواية أخرى يعطي الإمام الصادق (عليه السلام) القيمة المساوية لقضاء الحوائج فقد روي عنه (عليه السلام): من قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله له يوم القيامة مائة ألف حاجة ، من ذلك أولها الجنة ، ومن ذلك أن يدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنة بعد أن لا يكونوا نصابا[6].
وعن المفضل ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال لي : يا مفضل اسمع ما أقول لك واعلم أنه الحق وافعله وأخبر به علية إخوانك ، قلت ، جعلت فداك وما علية إخواني ؟ قال : الراغبون في قضاء حوائج إخوانهم ، قال : ثم قال : ومن قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله عز وجل له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أولها الجنة ومن ذلك أن يدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنة بعد أن لا يكونوا نصابا وكان المفضل إذا سأل الحاجة أخا من إخوانه قال له : أما تشتهي أن تكون من علية الاخوان [7].
وفي الحديث أيضا ان الله تبارك وتعالى قد خلق خلقا ليقضون حوائج المؤمنين ويثيبهم على ذلك الجنة فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال : إن الله عز وجل خلق خلقا من خلقة انتجبهم لقضاء حوائج فقراء شيعتنا ليثيبهم على ذلك الجنة ، فإن استطعت أن تكون منهم فكن ، ثم قال : لنا والله رب نعبده لا نشرك به شيئا [8].
بل في الحديث ان قضاء الحوائج افضل من عتق رقبة فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قضاء حاجة المؤمن خير من عتق ألف رقبة وخير من حملان ألف فرس في سبيل الله[9].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : لقضاء حاجة امرء مؤمن أحب إلى [ الله ] من عشرين حجة كل حجة ينفق فيها صاحبها مائة ألف[10] .
ولذلك نجد الأئمة (عليهم السلام) يقدمون قضاء حوائج المؤمنين على الواجبات فهذا الإمام الحسين قد حل إحرامه في سبيل قضاء حوائج المؤمنين ..
وينقل إسماعيل بن عمار الصيرفي قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : جعلت فداك المؤمن رحمة على المؤمن ؟ قال : نعم ، قلت : وكيف ذاك ؟ قال : إيما مؤمن أتى أخاه في حاجة فإنما ذلك رحمة من الله ساقها إليه وسببها له ، فإن قضى حاجته ، كان قد قبل الرحمة بقبولها وإن رده عن حاجته وهو يقدر على قضائها فإنما رد عن نفسه رحمة من الله عز وجل ساقها إليه وسببها له وذخر الله عز وجل تلك الرحمة إلى يوم القيامة حتى يكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيها ، إن شاء صرفها إلى نفسه وإن شاء صرفها إلى غيره يا إسماعيل فإذا كان يوم القيامة وهو الحاكم في رحمة من الله قد شرعت له فإلى من ترى يصرفها ؟ قلت : لا أظن يصرفها عن نفسه ، قال : لا تظن ولكن استيقن فإنه لن يردها عن نفسه ، يا إسماعيل من أتاه أخوه في حاجة يقدر على قضائها فلم يقضها له سلط الله عليه شجاعا ينهش إبهامه في قبره إلى يوم القيامة ، مغفورا له أو معذبا[11] .
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : ما قضى مسلم لمسلم حاجة الا ناداه الله تعالى : على ثوابك ، ولا ارضى لك بدون الجنة[12].
أي ان ثوابك قد وصل الى مرتبة عالية ولا اقبل لك إلا الجنة عوضا عما فعلت ..
وكذلك روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال : إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمر به الرجل له المعرفة به في الدنيا وقد امر به إلى النار ، والملك ينطلق به ، قال : فيقول له : يا فلان أغثني فقد كنت اصنع إليك المعروف في الدنيا ، وأسعفك في الحاجة تطلبها مني ، فهل عندك اليوم مكافأة ؟ فيقول المؤمن للملك الموكل به خل سبيله ، قال : فيسمع الله قول المؤمن ، فيأمر الملك ان يجبر قول المؤمن فيخلي سبيله[13].
فقضاء الحوائج تنقذ حتى الذين يستحقون النار من أعمالهم فمن كان يحتمل هذا الأمر ينبغي ان لا يزهد بمثل هذا الثواب الجزيل والأجر الجميل ،،،وإذا كان ثواب قضاء الحاجات ما تقدم من الثواب الجزيل هذا بالإضافة إلى ما يناله في الدنيا من الثناء عند المؤمنين والدعاء له من قبل صاحب الحاجة فهنيئا لمن عرف ذلك وعمل به.
فالذي يعمل بما يعلم رزقه الله علم ما لم يعلم
اللهم إنا نسألك ان تصلي على محمد وآل محمد وأن تتقبل منا وتوفقنا لما تحب وترضى انك سميع الدعاء
وتجعلنا من المخلَصين المخلِصين
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
الشيخ سعد الغري
([1])القلم : آية 4.
([2])الكافي : ج2 ص100.
([3]) نعلم ان فعل الأئمة عليهم السلام حجة فها هو الإمام الحسين عليه السلام يترك إحرامه ويحله عندما جاءه شخص في حاجة وقضى حاجة المؤمن الذي أتاه .
([4]) فقه الرضا – علي بن بابويه – ص 339.
([5]) تحرير الأحكام – العلامة الحلي – ج 4 – ص 372 ، الوسائل : 15 / 584 ، الباب 33 من أبواب الكفارات ، الحديث 1.
([6]) الوسائل : ج 16 ص 357 الحديث 1.
([7])الكافي – الشيخ الكليني – ج 2 – ص 192 – 193.
([8])الكافي – الشيخ الكليني – ج 2 – ص 193.
([9])الكافي – الشيخ الكليني – ج 2 – ص 193.
([10])الكافي – الشيخ الكليني – ج 2 – ص 193.
([11])الكافي – الشيخ الكليني – ج 2 – ص 193-194 .
([12])(الوافي ج 3 ص 118 عن الكافي ).
([13])(البحار . كتاب العشرة . ص 86 عن ثواب الأعمال للصدوق ).
المصدر: مجلة الفرات